Author

الجمارك والموانئ .. أزمات مستمرة

|
بين حين وآخر تظهر لنا الصحافة بمشكلات تأخير فتح البضائع في الجمارك والموانئ، خاصة في أوقات معروفة قبل رمضان وقبل الحج، والكل يشتكي ويلوم إدارتي هاتين المؤسستين لعلاقتهما وأثرهما الكبير على تنافسية اقتصادنا الوطني. وكذلك يلوم الجمارك خاصة على انتشار البضائع المقلدة والمغشوشة، ولكنني لم أجد أيا من الكتاب أو المؤسسات المهتمة بتقديم اقتراحات محددة ومستدامة لحل هذه المعضلة، هنا سأتطرق مباشرة باقتراح محدد. هل هناك من يختلف مع حقيقة واضحة وهي أن الجمارك عموماً في العالم ينظر لها على أنها أحد عوائق المنافسة لأي اقتصاد وخاصة في الدول النامية؟ الكل يشتكي من مشكلات وتأخر الإجراءات الحكومية في الجمارك وفي الموانئ والحدود. والكل في بلدنا يشتكي من البضائع المقلدة ويشتكي من المخدرات ويشتكي من التهريب وهكذا.. فما الحل؟ وما الأوليات الوطنية لنا؟ وهنا سأركز على جماركنا وموانئنا ودورهما في الاقتصاد والمجتمع، وأمامنا معضلتان: 1. بلدنا في قلب الجزيرة وكل الطرق تؤدي إليها وتستخدمها كمنطقة عبور.. وهنا نتحدث عن الآلاف من الشاحنات والسيارات. 2. زيادة مستمرة في نسبة الواردات للمملكة (ولقد بلغت القيمة الإجمالية للواردات 49.7 مليار ريال في شهر كانون الثاني (يناير) 2013م، بارتفاع 10.24 في المائة عما كانت عليه في الشهر المقابل من العام الماضي، وهذه النسبة تتعدى قدرة الجمارك والموانئ بكل فروعها وموظفيها على مواكبة هذه الزيادة. ولا تتواكب زيادة القدرات المالية والبشرية في الجمارك والموانئ الحالية مع هذه الزيادة بالاستيراد. والجميع على علم بنسب الزيادة السنوية لمناولة الجمارك للبضائع وعبور الشاحنات والسيارات ولعلي هنا أضيف لكم أن الزيادة السنوية لكمية البضائع المناولة في الموانئ السعودية تتعدى نسبة 14 في المائة مقارنة بما كانت عليه خلال عام 2011م وهذه تقريباً معدلات الزيادات السنوية. أما الحاويات فهي أكثر من ستة ملايين حاوية قياسية بزيادة بلغت 16 في المائة بما كانت عليه في عام 2011م، إلى جانب حاويات المسافنة التي شهدت نموا بنسبة 19 في المائة لتصل إلى أكثر من مليون حاوية قياسية خلال عام 2012م، كل هذه الأرقام والبضائع والحاويات تُحوّل للجمارك. فهل بإمكان أي عاقل إجابتي عن سؤالي البسيط، وهو هل بإمكان الجمارك والموانئ مواجهة الضغط المرتفع والنسب العالية للزيادات السنوية بالأسلوب التقليدي لتمويل الأجهزة الحكومية واعتماد زيادات بسيطة سنوية فقط؟ إن الجمارك ودخلها البالغ 20 مليارا والموانئ ودخلها أربعة مليارات ريال لا بد من إبقائهما في صناديق خاصة لتمويل التوسعات وتمويل تطوير الكوادر والأجهزة. واعتبارهما مؤسستين مستقلتين وتداران بإدارة تجارية وإصدار ميزانيات ومن ثم تحوّل الأرباح للدولة المساهم الرئيسي.. وإنني على يقين أن الخدمات ستصل إلى المستوى المطلوب والأرباح والدخل سيزدادان مع تحويل أغلب تجارة الخليج لنا. إن مطالبتي هذه نابعة من تخوف أتوقعه بعد أن تبدأ مشاريع القطارات وربط موانئنا شرقاً وغرباً في العمل وتحول التجارة الخليجية القادمة من الغرب من دبي إلى جدة وموانئ، وهذه بعد سنوات لن تتعدى الخمس، وأؤكد لكم أننا إذا لم نعتمد برنامجا قويا للتطوير والتمويل للجمارك والموانئ سنواجه أزمات كبيرة، وكل ذلك سيؤثر على مصداقية حكومتنا وجماركنا وموانئنا وتنافسية اقتصادنا. هذه رسالة واضحة ومباشره لقيادتي.. وكذلك لأعضاء مجلس الشورى الذين يناقشون تقارير هذه الأجهزة سنوياً. بأن تحويل هذه الأجهزة الحكومية إلى مؤسسات مستقلة إدارياً وتمويلياً هي الخطوة الأولى نحو حل المشكلات التي تواجهها الجمارك والموانئ باستمرار، خاصة في المواسم المعروفة في المملكة. والمأساة إذا حكومتي لم تستوعب المتوقع أو حتى الاعتراف بالمشكلة المتوقعة. 3. قد تنتقدونني عندما أعود وأكرر أن خصوصية مملكتنا ومجتمعنا وسوقنا لها متطلبات قد تختلف عن الجمارك الأخرى التي تزيد الإعاقة، فنحن ندقق على دخول الخمور والمسكرات، والآخرون لا يهتمون بذلك، ونحن ندقق على كل بضاعة مغشوشة والآخرون يسهلون عبورها، خاصة المتعلقة بقطع الغيار والأدوية. لذا نجد الشكوى عامة من دقة التفتيش والنسبة العالية لعدد الحاويات التي تفتش يدوياً، خاصة من دبي والمصدر الرئيس شرقاً لمثل هذه البضائع، يكفي أن نعلم أن حكومة دبي نفسها تعاني البضائع المقلدة، خاصة من قطع الغيار، حيث إن قطع الغيار المقلدة في دبي تمثل 70 في المائة من كل البضائع المقلدة فيها حسب إحصائيات المنظمة العالمية لمحاربة التقليد، ومن الشمال حدودنا مع الأردن وهي المصدر الثاني الرئيسي للبضائع المقلدة والمخدرات وهي المجاورة لإسرائيل وسوق الأردن مفتوحة لهم مع الأسف، وإسرائيل لديها سنوياً 8.5 مليار دولار بضائع مغشوشة.. أين تذهب يا ترى؟.. فإسرائيل صغيرة كلها بضائع ومنتجات موجهة للسعودية ومصر. أما العراق على الحدود الشرقية فلديه 5.5 مليار بضائع مغشوشة من سجاير وخمور وأدوية ومواد غذائية وقطع غيار سيارات، ولا ننسى جارتها النفطية إيران ولديها ما يقارب من 11 مليار دولار بضائع مغشوشة، والكل يجب أن يعلم أن حولنا دولا تعيش على تجارة غش وتقليد وكلها توجه من قبل العصابات لسوقنا. ما الحل؟.. يا إخوتي من هذا الواقع؟ أولاً: يجب أن نعترف جميعاً بأن الجمارك لا تتحمل المسؤولية الكاملة لهذه المشكلات. ثانياً: يجب أن نعترف جميعاً بأن الموانئ لا يمكنها تحمل المسؤولية الكاملة مع ازدياد الضغط. ثالثاً: حدودنا ونقاط عبورنا وموانئنا تديرها عدة جهات حكومية دون تنسيق. كل له أولويات ومواعيد عمل. الحل يا إخوتي من تاجر وصانع ورئيس الغرفة التجارية ولكنه غير متخصص في شؤون الجمارك والموانئ ومشكلاتهما، وهناك من هم أعلم مني بذلك، ولكني لعلي أجتهد. هناك حلول انطباعية وما يتردد بيننا كزبائن للجمارك والموانئ عموماً. وما يتبع ذلك من التحرر من الخدمة المدنية والإجراءات الحكومية العقيمة الأخرى. أولاً: التحول لهيئات إدارية مستقلة وتدار بأسلوب تجاري للجمارك والموانئ. ثانياً: العمل 24 ساعة في جميع مواقع المملكة لجميع العاملين من جميع الجهات في الجمارك والموانئ. هذا حل للمشكلة وميزة أيضاً رائعة لتوظيف شبابنا في كل المواقع، خاصة أبناء المناطق النائية الحدودية للحاجة الماسة إلى ذلك، خاصة أننا بحاجة إلى عمل طاقمين كاملين للعمل في كل 12 ساعة أي ثماني ساعات زائدا أربع ساعات خارج الدوام؟ ثالثاً: زيادة الإمكانات المالية للأجهزة العاملة في الجمارك والموانئ من كل الجهات خاصة أننا نرى زيادة واضحة في مداخيل الجمارك التي تعدت في عام 2012 نحو 20 مليار ريال.. بعد أن كانت لا تتعدى سبعة مليارات منذ سنوات قليلة عشتها أنا شخصياً، فالمطلوب هنا أن تحدد وزارة المالية مؤقتاً نسبة 25 في المائة من دخل الجمارك لميزانية إدارة الجمارك إضافية و25 في المائة من دخل الموانئ للموانئ إضافية إلى أن يتم التحول للحل الجذري المقترح.. إنني كرجل أعمال أفهمها وهي طايرة بأن الدخل للجمارك والموانئ سيتعدى 35 مليارا إذا اعتمدت النسبة المطلوبة لهما مؤقتاً ولتحول الهيئات مستقبلاً. وكما تلاحظون فهذه المبالغ لن تنتقل لخارج الاقتصاد الوطني وإنما أكثرها تدريبا وتوظيفا وإسكانا وتقنيات وهكذا.. وستساعد في حركة التجارة وانسيابها مما قد تساعد على تقليل التكاليف للمستهلك وسرعة التوريد والتنافسية المطلوبة. أنا كرجل أعمال لي توقعات وهي سرعة انسياب بضاعتي وأنا أيضاً مواطن يعيش في هذا البلد الطيب وأتأثر بشكل كبير من المخدرات والمسكرات والبضائع المغشوشة، خاصة في الكهربائيات والأدوية وقطع الغيار. فما الأولوية لي.. انسياب التجارة أم محاربة الغش والتهريب؟.. أقولها بصراحة فلتتأخر بضاعتي عدة أيام ولا تنتقل لنا مشكلات الآخرين فصحة أولادي وبناتي أولى بالحماية من المخدرات وغيرها إذا أصرت حكومتي على اتباع الأسلوب الحالي في الإدارة ولكن كلي أمل أن نحقق توازنا بين هذه التناقضات، والمطلوب أموال وهي متوافرة، وشباب وهم متوافرون وتقنيات. سؤال أخير.. هل نتوقع أن مع بداية انتهاء الربط بين دول الخليج بالسكك الحديدية وتشغيلها أن بالإمكان اشتراط انتقال البضائع الترانزيت كلها بالحاويات فقط بين دول الخليج وعلى القطارات أم لا؟ وهي ستمثل 50 في المائة من وارداتنا إن شاء الله. وإذا تم ذلك فإنني على يقين أن الضغط على حدودنا وجماركنا سيقل في جميع المواقع؟ إن توقعاتي أن بلدنا بعد الربط بالسكك الحديدية ستتحول إلى مركز رئيس في إعادة الصادرات من المنطقة الغربية لكل مناطق المملكة ودول الخليج والعراق بعد خمس سنوات من الآن إن شاء الله، إن توقعاتي أن كل البضائع الخليجية الواردة من أمريكا وأوربا وعابرة ستستخدم موانئ السعودية في البحر الأحمر التي ستوفر لدول الخليج والعراق رحلة (ثمانية أيام) بدلاً من دبي أو غيرها أو عشرة أيام بدلاً من الدمام وغيرها وكل يوم يكلف 70 ألف دولار للسفينة إلى جانب الأمور الأمنية الأخرى.. كل هذه الحقائق تظهر لنا مدى استفادة اقتصادنا مستقبلاً وقدرته على المنافسة نتيجة تطوير وتسهيل إجراءات الجمارك والموانئ واستخدام القطارات. فقط أريد أن أذكر حكومتي بما ذكره د. محمد الكثيري وكيل وزارة التجارة والصناعة للتجارة الخارجية في ورقة بحثه التي قدمها في احتفال الجمارك باليوم الوطني أخيراً يقول: ''تسهيل التجارة يؤدي إلى تخفيض تكاليف المعاملات التجارية، وانخفاض التكلفة الإجمالية للإنتاج، ما يؤدي إلى الانخفاض في أسعار الجملة والتجزئة. مع انخفاض الأسعار يمكن للشركات السعودية تحسين ميزتها التنافسية وحصتها في السوق العالمية، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة، وهو ما يمثل حجر الزاوية في النمو الاقتصادي. إضافة إلى ذلك فإن انخفاض تكاليف الإنتاج يؤدي إلى انخفاض تكاليف البيع بالتجزئة للمستهلكين''.المطلوب العمل الجماعي الوطني لحل هذه المعضلة وزيادة تنافسيتنا في المنطقة والمطلوب فقط رجال وأموال وكل ذلك متوافر ولله الحمد.. والنتيجة واضحة للمواطن والوطن عموماً.
إنشرها