علاوة المخاطر الجيوسياسية ودور البنوك المركزية
تشكل علاوة المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والناتجة من الحرب بين إيران وإسرائيل تحدياً اقتصادياً جديداً على الأسواق العالمية، وفي الوقت ذاته يحمل فرصاً للدول التي تعتمد على النفط في توليد النمو الاقتصادي أو تعزيز الإيرادات المالية إذا ما كان لديها تنوع اقتصادي جيد.
ارتفعت أسعار النفط 13% مع زيادة أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا 5.7% كما أن أي تهديد لمضيق "هرمز" الذي ينقل ثلث الإنتاج العالمي من النفط سيدفع بالأسعار إلى مستويات أعلى.
ووفقا للنظرية الاقتصادية في ظل الظروف الحالية فإن الزيادة في أسعار النفط قد تحدث من انخفاض العرض المتوقع بسبب أي تهديد إغلاق لمضيق "هرمز" مع ثبات الطلب العالمي، وهنا سنرى علاوة المخاطر ستضاف إلى السعر التوازني لتظهر عدم اليقين، كما في نموذج تسعير الأصول تحت المخاطر CAPM والتأثير المتوقع قد ترتفع أسعار النفط إلى 150-200 دولار للبرميل، أي زيادة بنسبة (100-170%) ومن أهم التداعيات على الاقتصاد العالمي، التضخم الناتج عن التكلفة cost-push inflation ما يؤدي إلى تضخم مدفوع بالتكلفة، مثل زيادة تكاليف الشحن 15% وترتفع معها أسعار السلع الأساسية مثل الحبوب والمعادن.
تكمن المخاطر الحقيقية في توسع الأزمة وليس في استمرارها، ولكن استمرار سيناريو التضخم الركودي؛ بسبب أسعار الطاقة وتباطؤ النمو كنتيجة لانخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من التداعيات الأكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي.
وتكشف لنا نظرية كفاءة السوق أن أسواق الأسهم تتفاعل بسرعة مع الأخبار الجيوسياسية وقد لاحظنا ذلك بشكل واضح حيث تدنت الأسعار بسبب زيادة معدل الخضم discount rate في نماذج تقييم الأسوق مثل DCF وعلاوة المخاطر الجيوسياسية رفعت من التذبذب volatility المقاس بمؤشر VIX الذي ارتفع 10-15% تقريباً.
وفي هذا السياق فإن ما سبق يفسر ارتفاع الذهب في مثل هذه الظروف كملاذ آمن حيث ارتفع الذهب بنسبة 3-5% كما ازدادت قوة قيمة الدولار مقابل العملات الناشئة1-2% ما يظهر نزوح رؤوس الأموال من الأسواق المحفوفة بالمخاطر.
تقسم الأسواق إلى مجموعتين، القطاعات الخاسرة هي شركات النقل بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والسياحة بسبب المخاوف والطيران والتجزئة بسبب انخفاض القوة الشرائية وبالفعل تم ملاحظة انخفاضات حادة في أسعار أسهمهما. والقطاعات الرابحة شركات النفط والغاز وشركات التكنولوجيا العسكرية بسبب زيادة الطلب على الأسلحة 3-5%.
الاقتصاد العالمي سيواجه صدمات عرض supply shocks حيث تمثل الحرب مصدرا رئيسياً لهذا النوع من الصدمات إضافة إلى التضخم الخالي من زيادة التوظيف، ما يعقد من قرارات البنوك المركزية. لذلك قد تضطر البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة بمقدار 25-50 نقطة أساس لوجود فجوة تضخم وفجوة ناتج، ولكن هذا التضخم مؤقت وناتج من علاوة المخاطر الجيوسياسية، وهذا النوع من التضخم يتطلب نهجاً حذراً لتجنب الركود.
سيكون أمام الحكومات خيار التسامح مع التضخم المؤقت إذا بقي ضمن نطاق 4 و5% خاصة إذا كان مدفوعا بصدمات العرض بدلا من الطلب وفي الوقت ذاته، قد تحتاج البنوك المركزية ضخ سيولة عبر عمليات السوق المفتوحة لدعم استقرار القطاع المصرفي.
كلمة ختامية: السعودية نجحت في تطبيق النظرية "الريكاردية" أي تنويع الميزة النسبية في قطاعات غير نفطية وهذا ما سيقلل من تأثير علاوة المخاطر الحالية والمستقبلية إضافة إلى قوتها المالية والهوامش الائتمانية في تخفيف المخاطر الأمنية المؤقتة في المنطقة.