وش أنت من لحية؟!
عبارة قديمة، ما زال البعض يستخدمها للتعرُّف على الشخص الذي أمامه، خطرت في بالي وأنا أكتب مقال اليوم لارتباطها بما كان سائداً في الحضارات السابقة، فقد كان لشعر الوجه وخاصة اللحية دلالات ومعان على انتماء الشخص ووضعه الاجتماعي والسياسي!
ففي بلاد الرافدين كانت اللحية تدل على منزلة صاحبها وطبقته الاجتماعية فكلما علا شأنه كانت لحيته أكثر تعقيدا في طريقة تزيينها وتصفيفها حيث يمضون الساعات الطوال في تجعيد خصلاتها وصبغها بالحناء ورشها بغبار الذهب، كما كانت طريقة تصفيف الشعر تدل على مكانة صاحبه ومهنته فتستطيع التفريق بين الطبيب والكاهن والغني والفقير وحتى بين الخدم والعبيد!
وترمز اللحية في الحضارة المصرية للقوة لدرجة أن بعض الملوك يضعون لحى صناعية رمزاً لعظمتهم وهذا ما جعل الملكة "حتشبسوت" تضع لحية لتمنحها مظهر القوة والخشونة!
وبعد فترة تخلى المصريون عن ذلك، واعتبروها رمزاً للبدائية وعدم التحضر وحلقها يدل على علو طبقة الرجل لذلك اتخذ الملوك والأثرياء حلاقين خاصّين ليرافقوهم طوال الوقت وبلغ بهم الأمر إلى دفن الحلاق مع الملك بعد وفاته! للحفاظ على مظهره في حياته وبعد مماته حيث كانوا يؤمنون بالبعث.
أما في اليونان فتعتبر اللحية رمزا للحكمة والرجولة ولا يقصونها إلا في حالات الحزن وذلك بتمزيقها باليدين أو حرقها بالنار! وعند وفاة الشخص يعلق جزء من لحيته على باب بيته، ويعتبرون التعدي على اللحية إهانة لا تغتفر! أما الرجل الجبان والمتخاذل في المعارك فيعاقب بحلق نصف لحيته!
ويميز الرومان أنفسهم عن أبناء عمومتهم اليونانيين بحلق لحاهم ويعتبرون حلاقتها أول مرة إحدى الشعائر الدينية التي تقام لها الاحتفالات. وكان الإمبراطور الروماني "نيو" يحتفظ بشعر لحيته الأولى في صندوق من الذهب الخالص المرصع باللؤلؤ!
ويشاركهم الهندوس بإقامة احتفال ديني بالمناسبة نفسها. وبلغ أجر الحلاق بقرة أو ثورا أو زوجا من الأحصنة!
أما أصحاب أكثف لحى في أوروبا فهم القبائل الجرمانية ولا يحلقونها إلا عند القضاء على العدو وهذا يشبه ما فعله الزعيم الكوبي "فيدل كاسترو" عام 1959 عندما اتخذ هو ورفاقه لحاهم رمزاً للثورة وتعاهدوا على عدم حلقها إلا بعد أن تحقق الثورة أهدافها، حتى إن شركة "جيليت" عرضت عليه نصف مليون لحلاقة لحيته باستخدام شفراتها ورفض.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي لعبت اللحية دوراً سياسياً في مختلف الدول وخصوصاً مصر وسورية ولبنان.
وفي عام 1988 تم إنشاء نادٍٍ للحى في أمريكا وأطلق عليه اسم "نادي نوفمبر للحى" ليس له أهداف ولا تترتب عليه مصروفات من قِبل رجال يؤمنون بأن إطلاق اللحية يتوافق مع الطبيعة، ولو لشهر واحد، واختاروا تشرين الثاني (نوفمبر) لأنه أكثر الشهور برودة كما يزيد نمو الشعر فيه!
تقول الباحثة "كارول ووكر" إن شعر اللحية يساعد على مكافحة نزلات البرد والسعال برفعه لدرجة حرارة الرقبة، كما أكد الدكتور روب هيكس أن اللحى والشوارب تقلل من أعراض الربو بمنع المواد المسبّبة للحساسية من الوصول للأنف. وفي دراسة قامت بها جامعة كوينزلاند البريطانية وجدوا أنها تقلل من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية المسبّبة لسرطان الجلد بمقدار الثلث.
إذا تلك الشعيرات لعبت دوراً اجتماعياً وسياسياً ودينياً مهماً وما زالت.