الصين والاستيلاء على الأراضي في الهند

لم تكن التوترات المتأججة مع اليابان وفيتنام والفلبين حول بضع جزر في بحري الصين الجنوبي والشرقي كافية لمنع الصين المتزايدة عدوانيا من فتح جبهة أخرى بتنظيم عملية توغل عسكرية عبر الحدود الحرجة المتنازع عليها في الهيملايا. ففي عشية الخامس عشر من نيسان (أبريل)، تسللت وحدة عسكرية تابعة لجيش التحرير الشعبي خلسة بالقرب من مفترق الطرق الثلاثي بين الصين والهند وباكستان، وأقامت معسكراً داخل المنطقة التي تسيطر عليها الهند بمسافة 19 كيلومترا، لتضع حكومة الهند أمام احتمال خسارة هضبة مرتفعة بالغة الأهمية من الناحية الاستراتيجية بمساحة 750 كيلومترا مربعا.
وراحت الهند المذهولة، التي تعاني بالفعل أزمة سياسية داخلية محبطة، تتحسس أي استجابة فعّالة لاستيلاء الصين على أراضيها ــــ وهي أكبر مساحة، وأهمها استراتيجيا، من الأراضي تستولي عليها الصين منذ بدأت انتهاج سياسة أكثر استعراضاً للعضلات في التعامل مع جيرانها. وسواء كانت الصين تعتزم البقاء من خلال إقامة مباني دائمة لقواتها على مرتفعات الهضبة الجليدية، أو تخطط للانسحاب بعد انتزاع تنازلات عسكرية مذلة من الهند، فإن الأمر يظل يشكل مسألة مفتوحة ــــ ومثيرة للجدال من أكثر من ناحية.
والحق أن الصين، التي أفسحت ''نهضتها السلمية'' المجال أمام نهج متزايد العدوانية في التعامل مع جيرانها، كانت حريصة على توسيع ''مصالحها الأساسية'' ـــ التي لا تحتمل أي تسوية ـــ ومزاعمها الإقليمية، في حين أظهرت استعداداً متنامياً لخوض المجازفات من أجل تحقيق أهدافها. على سبيل المثال، لم تكتف الصين بتصعيد تحديها لسيطرة اليابان التي دامت لعقود من الزمان على جزر سينكاكو ''دياويو''، بل إنها تتحدى أيضاً الفلبين منذ فرضت سيطرتها الفعلية على سكاربورو شول في العام الماضي.
وما يجعل التوغل في الهيملايا رمزاً قوياً للموقف العدواني الجديد الذي تتبناه الصين في آسيا هو أن قواتها الغازية أقامت معسكراً في منطقة تمتد على ما وراء ''خط السيطرة الفعلية'' الذي رسمته الصين نفسها من جانب واحد عندما هزمت الهند في عام 1962 في الحرب الحدودية التي بدأتها الصين. وفي حين تركز قوات الصين البحرية وجزء من قواتها الجوية على دعم مطالبات برية وبحرية انتقامية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، فإن جيشها كان يعمل بنشاط في المناطق الحدودية الجبلية مع الهند، في محاولة لتغيير خط السيطرة الفعلية شيئاً فشيئا.
ومن بين الطرق الجديدة التي وظفها جيش التحرير الشعبي في هذا السياق جلب رعاة من عرقية الهان إلى الوديان على طول خط السيطرة الفعلي ومنحهم الغطاء لتجاوز هذا الخط، وبهذا تدفع رعاة القطعان الهنود بعيداً عن مراعيهم التقليدية. ولكن الأزمة الأخيرة أشعل شرارتها استخدام الصين لسبل عسكرية مباشرة في منطقة حدودية استراتيجية بالقرب من ممر كاراكورام الذي يربط الصين بالهند.
ولأن خط السيطرة الفعلي لم يتم توضيحه في عملية ثنائية متبادلة ـــ تراجعت الصين عن وعدها في عام 2001 بتبادل الخرائط مع الهند ـــ فإن الصين تزعم أن قوات جيش التحرير الشعبي مجرد وحدة تعسكر على ''أرض صينية''. ومع هذا، ففي إعادة لاستراتيجيتها القديمة القائمة على التعدي خلسة على أراضٍ متنازع عليها ثم تقديم نفسها باعتبارها الموفِق الـمُصالِح، تنصح الصين الآن بتوخي ''الصبر'' واللجوء إلى ''المفاوضات'' للمساعدة في حل ''القضية'' الأخيرة.
إن الصين تسعى بوضوح إلى استغلال الفوضى السياسية في الهند من أجل تغيير الواقع على الأرض. في مستهل الأمر فرضت حكومة الهند المشلولة التي تسير على غير هدى رقابة على التقارير التي تتناول هذا التوغل، خشية أن تجد نفسها تحت ضغوط شعبي تدفعها إلى شن استجابة قوية. فلم يأت أول بيان عام لها إلا بعد أن أصدرت الصين نفياً لطيفاً للتوغل في الرد على تقارير إعلامية هندية على لسان مصادر في الجيش.
وبالنسبة إلى الهند، فإن التوغل الصيني يهدد أيضاً قدرتها على الوصول إلى مرتفع سياتشين الجليدي الذي يبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 6300 متر، ويقع إلى الغرب من ديبسانج. وتطالب باكستان بهذا المرتفع الجليدي الذي تسيطر عليه الهند، والذي يشبه الإسفين الاستراتيجي بين الأجزاء التي تسيطر عليها باكستان والصين من كشمير، والتي كانت واحدة من أعلى وأبرد ساحات القتال في العالم ''وأكثرها دموية'' من منتصف ثمانينيات القرن الـ 20 وحتى وقف إطلاق النار في عام 2003.
تتراوح الخيارات غير العسكرية المتاحة للهند لإرغام الصين على الانسحاب من ديبسانج بين الدبلوماسية ''تعليق كل الزيارات الرسمية أو إعادة النظر في اعترافها بالتبت جزءاً من الصين'' إلى الاقتصادية ''المقاطعة غير الرسمية للسلع الصينية، تماماً كما ألحقت الصين الأذى باليابان من خلال مقاطعة غير رسمية للمنتجات المصنوعة في اليابان''. أما الخيار العسكري المحتمل فقد يشتمل على إقامة الجيش الهندي لمعسكر خاص به على أرض صينية في مكان آخر يعتبره قادة الصين ذا أهمية استراتيجية بالغة.
ولكن قبل أن تتمكن الهند من ممارسة أي من هذه الخيارات بمصداقية، فإنها تحتاج إلى حكومة مستقرة. وإلى أن يحدث هذا، فإن الصين ستستمر في فرض مطالباتها بأي وسيلة كانت ــــ نزيهة أو غير شريفة ــــ تراها مفيدة.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي