الربيع الآسيوي
ها قد أتانا الربيع، و"ربيع آسيا" هذه السنة ليس "ربيعا طلقا يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتألما" كما وصفه الشاعر "البحتري" في قصيدته الشهيرة، بيد أننا نعيش الآن ربيعا صلفا يحتال شاحبا من الشحن حتى يكاد أن يتألما..! كل ما هو جار الآن يعود إلى فراغ السلطة الذي خلّفه ابتعاد محمد بن همام عن كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، حيث تبدل المشهد من "انتخابات تكميلية" لملء منصب الرئاسة الشاغر، إلى صراع مستعر بين قوى إقليمية اتخذت من الساحة الانتخابية الآسيوية ميدانا لتضارب مصالحها، كما أن القوى الدولية لم تغب عن المشهد، حيث ترتبط الأطراف الرئيسة المحركة للصراع الانتخابي في آسيا بروابط وثيقة مع جهات وشخصيات دولية وجدت في النزاع الآسيوي المصبوغ بلون خليجي "فاقع" فرصة سانحة للعب على أوتار تجاذب القوى، بالشكل الذي يخدم مصالحها، ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن الاتحاد الآسيوي هو أكبر مكوّن من المكوّنات القارية للاتحاد الدولي لكرة القدم، وبالتالي فهو مفتاح الوصول إلى السيطرة على بيت كرة القدم الدولي في سويسرا.
لا فائز اليوم؛ لأن الانتخابات ليس سوى فصل من فصول صراع الزعامة الخفي والمحتدم منذ ما يناهز العامين، الذي نشب خلف الكواليس وظهر على مسرح آسيا أخيرا، فأصبح ظاهرا للعيان يمكن رؤيته بالعين المجردة دون الحاجة إلى استخدام مكبرات كما كان الحال سابقا. ما أن تنتهي مراسم الاقتراع في "الكونجرس الآسيوي" المنعقد اليوم في كوالالمبور، سيبدأ فصل جديد من فصول الصراع، ستظهر المساعي لإسقاط الرئيس الجديد، وسيبرز تياران مضادان، أحدهما موال للرئيس والآخر معارض. لن نشهد بعد اليوم "معارضة ناعمة" في آسيا، بل نحن الآن بصدد التدشين لمرحلة مختلفة عنوانها "الحرب المفتوحة" بين الأطراف المتنازعة على زعامة كرة القدم الآسيوية، حيث إن تصاعد حدة الخطاب المتبادل بين "الحرس القديم" و"كتلة التغيير" يعطي مؤشرا واضحا على عدم استعداد أي من الطرفين على التنازل أو تقبل الهزيمة والبناء لمرحلة جديدة من العمل المشترك، ولن تنتهي هذه المعركة الطاحنة إلا بعد إزاحة "الجنود" الذي يخوضون المعركة بالوكالة وظهور "الفرسان"، وهم دون أدنى درجة من الشك، المشعلون الرئيسيون لفتيل الأزمة.
المسألة الانتخابية في أي مجتمع إنساني، سواء كان رياضيا أو غير رياضي، هي مسألة "اقتصادية – سياسية" بالدرجة الأولى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال هذين العنصرين وحضورهما القوي على سطح الأحداث الانتخابية في آسيا، والقول: إن الانتخابات التي نشهدها اليوم هي مسألة رياضية بحتة هو إذكاء للتسطيح والسذاجة في فهم الممارسة الانتخابية، أما ضعف مناعتنا ضد فيروسات الاحتقان المصاحبة للانتخابات التي انتشرت في الأجواء الخليجية أخيرا، فهو ناتج عن قلة وعينا وضعف الممارسة الديمقراطية في دولنا. الساحة الانتخابية لم ولن تكن ساحة لطرح "الأطروحات الأفلاطونية" الماسخة للواقع المادي، بل هي فلسفة "براجماتية" تقوم على تقاطع المصالح وتبادل المنافع، فعين المتمرّس في الانتخابات لا ترى معيارا آخر غير "المصلحة" لتشكيل صور تحالفاتها الانتخابية، وبصرف النظر عن معايير أخرى مثل معياري الإقليمية والقومية مثلا. هكذا ينبغي أن نفهم الانتخابات، سواء أعجبنا ذلك أم لا، فالحقيقة في الغالب لا تتسم بالجمال.
تقع على عاتق الرئيس الجديد للاتحاد الآسيوي مهمات صعبة لتركيب فسيفساء آسيا وإعادة بناء الثقة الهشّة والمتأثرة بالصراعات، إضافة إلى عدة إجراءات إصلاحية تستدعيها متطلبات تطوير كرة القدم الآسيوية، ولكني أرى فيما سبق آمالا بعيدة المنال، إذ سينهمك الرئيس الجديد والأطراف الداعمة له بتثبيت أقدامه داخل الاتحاد الآسيوي، وسيبدأ منذ يومه الأول في الرئاسة في العمل للدورة الانتخابية المقبلة في عام 2015، بينما سيضع الطرف الخاسر كل ثقله وقواه في مواجهة خصمه، ولن يكن كرسي الرئاسة وثيرا كما اعتدنا أن نصطلح عليه، وسيكشف المستقبل القريب يوما ما عن مغزى ما يحدث اليوم، إن غدا لناظره قريب.
آخر فنجان:
أعنف النزاعات لا تدور في ميادين الحروب، بل في أي عملية انتخابية تخوضها أطراف عربية!