عدوى المرض النفسي

نستغرب أحياناً من إحساسنا بالغضب والتوتر فجأة أو الفرح والسعادة بلا مبررات، فقد تكون في مجلس مع مجموعة من الناس أو في السيارة مع عائلتك وأحدهم يشعر بالقلق والتوتر من أمر ما أو لديه شعور بالسعادة والتفاؤل فيتسلل إليك شعوره وعواطفه بلا مقدمات.
تقول لي إحدى الصديقات إنها استقدمت سائقاً في غاية الهدوء وقوة التحمل وخصوصاً في شوارع الرياض فلم يكن يعنيه ما يجري حوله، ولكن مع الوقت أصبح عصبي المزاج ويضرب بيده على موقد السيارة ويتأفف طوال الطريق من أي حركة للسيارات بجواره أو حين تضيء الإشارة الحمراء، ولكن استغرابها لم يدُم طويلاً فقد اكتشفت أن ما يعانيه السائق هو بسبب توترها وعصبيتها الدائمة من خوفها أن تتأخر على مواعيدها فانتقلت إليه العدوى.
ما يحدث داخل المنازل يكون جلياً وأكثر وضوحاً في أروقة المكاتب، تقول جولي هول إنها كانت تعشق وظيفتها ومقبلة على العمل بحماس وعلاقتها مع زملائها أكثر من رائعة، ولكن كل هذا تغيّر فجأة عندما عُينت مديرة جديدة كان من الواضح أنها تعاني التوتر والحساسية المفرطة من أي موقف يواجهها ويعم صراخها وتذمرها أرجاء المكان، فأصبحت جولي متوترة لا تستطيع التركيز في عملها، والغريب أن هذا لم يحدث لها وحدها، بل سرى على كل زُملائها في العمل حتى انتقل شعورهم هذا معهم إلى منازلهم، وبدا وكأن الجميع انتشر فيه وباء المديرة الجديدة!
وتأتي الدراسات لتبرهن على صدق هذا الشعور وتؤكد أن عدوى المرض النفسي ليست ضرباً من خيال أو وهم، بل إنها أخطر وأسرع انتشاراً من الأمراض العضوية فهي تنتقل من شخص إلى آخر مثل انتقال الإنفلونزا وسائر الأمراض المعدية، خصوصاً لدى الأشخاص المهيئين لذلك، وتكمن أهميتها وخطورتها في صعوبة اكتشافها رغم سهولة علاجها.
وتحدثنا من قبل عن بعض الأمثلة التي أثبتت الدراسات أخيراً حقيقة انتقالها بالعدوى مثل التثاؤب والهيستيريا الجماعية، لذلك لعبت بعض الدول على هذا الوتر وأنشأت معاهد خاصّة لدراسة هذه الخاصية ومدى إمكانية استخدامها في التأثير وتغيير اتجاه تفكير المجتمع نحو الاتجاه الذي ترغب فيه الحكومة، وتقدم هذه المراكز تقارير يومية تبين فيها المزاج العام للشعب ومدى إمكانية طرح قرارات حكومية في ذلك اليوم أم لا، ويتم ذلك عن طريق مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الاتصال لأنها من أكثر الوسائل تأثيرا في نمط تفكيرنا، لذا فنحن اليوم أكثر عرضة لعدوى المشاعر!
ولا يقتصر الموضوع على العواطف والمشاعر، بل تعداها إلى تماثل التصرفات والأفكار وحتى التعبيرات الحركية بين الزوجين مثلا وفي حالة التوائم.
والمدهش أن عدوى الشعور أو المرض النفسي لا تعتمد على قدرات الشخص اللفظية أو الروحية كما لا يشترط أن تقع في المكان نفسه، ولكنها تقع في التوقيت نفسه! فقد تنتقل إليك موجة ضحك من أحد الذين يتواصلون معك على "الفيسبوك" أو "التويتر" دون أن تراه أو تعرف شعوره وتعابير جسده في تلك اللحظه!
وبما أن هذه العدوى كما أثبتت الدراسات لا تنتقل إلا للأشخاص المُهيئين بسبب ضعف شخصياتهم أو حساسيتهم المفرطة لذلك لا تكن أرضاً خصبة لانتقال عدوى المشاعر السلبية إليك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي