متى سينهار التعليم العالي؟
تعرضت كثير من القطاعات، مثل الإعلام والاتصال والأعمال المصرفية وبعض الجهات والمؤسسات، للأثر القوي بالتقنية ووسائل الاتصال المتطورة بشكل كبير وسريع لم يكن من المتوقع حدوثه قبل أن تبدأ تطبيقاتها الحديثة بفرض قوتها على هذه القطاعات. يرى مؤلفو الانهيار القادم للتعليم العالي والذي صدر قبل شهر من معهد أبحاث السياسات العامة في لندن في بريطانيا. وهو مركز غير ربحي مستقل يقدم كثيرا من الأبحاث الفكرية والدراسات المستقبلية. إن التكنولوجيا ستغير شكل التعليم العالي وطريقة عمله وإدارته وهيكلة مؤسساته ومواصفات العاملين فيه وأساليب تمويله.
ظهرت منافسة كبيرة، في العقود الثلاثة الماضية بين الجامعات حول العالم في تقديم برامج تعليمية متميزة، واستقبال أفضل الطلبة والوصول إلى أعلى المراتب في تصنيف الجامعات. كما تجتهد كثير من الجامعات لتمويل البحوث واستقطاب المتميزين للدراسة أو للتدريس في فيها. إضافة إلى ذلك، يبدو أن هذه الجامعات تدخل هذه الفترة في نوع جديد من المنافسة مع بعض الجهات الخاصة المقدمة للشهادات الجامعية ومؤسسات البحوث وبرامج مقررات التعليم العالي المفتوح الضخمة MOOCs مثل coursera، ومدربي المهارات ومراكز الاستشارات التي تسعى إلى تطوير شخصيات الأفراد والمهارات وإنتاج أحدث الأبحاث العالمية.
تتميز هذه الجهات المقدمة للتعليم بشكل غير تقليدي بقوة محتوياتها، واستخدامها أقوى المدربين في العالم. يرى المؤلفون أن الجمع بين المصادر المذكورة يوفر فرص الحصول على تعليم عالي الجودة والاستفادة من مؤسسات النخبة دون الحاجة إلى الالتحاق بالجامعات أو الكليات الجامعية والدراسة بالطريقة التقليدية. حيث إن بعض الجامعات تسعى لتوفير مقرراتها التي يتم تدريسها من أفضل الخبراء التعليميين بشكل مجاني للراغبين في التعليم المتميز بالجودة، وتوفر في نهاية هذه المقررات تقويما علميا وتوثيقا بالمهارات التي اكتسبها الطالب. تعد الجامعات المقدمة للمقررات المفتوحة. هذه البرامج نوع من الترابط الاجتماعي والولاء للممولين وخدمة ورد جميل للمجتمع. تجدر الإشارة إلى أن بعض الجامعات بدأت تقر هذه المقررات وتعتبرها جزءا من متطلبات التخرج. لذا، يتوقع مؤلفو الكتاب انهيار الصيغة الحالية للتعليم العالي في الجامعات وتعويضه كاملا بالتعليم بطرق غير تقليدية والتي من خلالها يستشرف المؤلفون أن الـ50 عاما المقبلة ستشهد العصر الذهبي للتعليم العالي.
كما يعتقد مؤلفو الكتاب أن الوضع الحالي للجامعات على وشك الانهيار، وأن الجامعات في حاجة إلى التخطيط لوضعها المستقبلي؛ وذلك بسبب التحديات التي تواجهها مثل التغيرات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وتكاليف التعليم العالي المرتفعة مقارنة بانحدار قيم بعض الدرجات العلمية، إضافة إلى حدة المنافسة التي تواجهها الجامعات في هذا العصر. لذا، من الواضح أنه على الجامعات السعي لاغتنام الفرص المتاحة لها والتفاعل مع المتغيرات الجديدة، قبل أن يطغى عليها التعليم غير التقليدي، وأن تسعى لتوفير تعليم أوسع وأعمق. وتقديم مراكز توظيف، مثل مركز التوظيف في جامعة إكستر في المملكة المتحدة الذي يقدم للطلاب المشورة ويعزز العمل التطوعي والنجاح الأكاديمي لديهم، لمساعدتهم على مواجهة التغيرات الاقتصادية والبطالة وللاستفادة من دراستهم الأكاديمية وتطبيقها بشكل فاعل.
كما على الحكومات إعادة النظر في الأنظمة الحاكمة لجامعاتها والسعي بتطويرها ونقلها إلى العالمية والعمل لمساعدة المتعلمين ودعمهم من خلال تقديم دوام جزئي للراغبين في تطوير أنفسهم ورفع مستوى تعليمهم. ستكون المهارات الشخصية والمهنية العالية هي المستهدفة من جهات التوظيف، ولم تعد الشهادات التي يجتهد كثير من الناس في الحصول عليها من أسوأ الجامعات وربما بالتزوير مؤهلا للتوظيف. لذا يقع جزء من المسؤولية أيضا على الأفراد المتطلعين لتطوير أنفسهم بضرورة اغتنام الفرص التعليمية باستخدام تقنية المقررات المفتوحة.
من المتوقع أن هذه التغيرات الناتجة من أثر التقنية قادمة، ولا خيار لمؤسسات التعليم إلا التأقلم مع هذه المستجدات بغرض تقديم وظيفة متجددة أو الاستمرار بالخيار التقليدي المؤدي إلى العزلة والخروج من السوق ومن ثم الانهيار التام.