التعليم في التعاون الاقتصادي والتنمية «2»

في المقال السابق أشرنا إلى أهمية التعليم في تطوير التعاون الاقتصادي وتأكيد التنمية المستدامة والشاملة بين الدول. قامت كثير من الدول المشاركة في برنامج ''بيزا'' بتطوير أنظمة تساعد المعلمين للعمل بتعاون لتحقيق الأفضل للطلبة، كما قامت برصد الصعوبات التي يواجهها المعلمون وعملت على تذليلها، وطورت الأنظمة لتسهيل العملية التعليمية للمعلمين وتشجيعهم على الإبداع ورفع رغبتهم في التدريس، كما تأكدت أن جميع المعلمين يقدمون المحتوى التعليمي المطلوب في جميع المدارس. بعض الدول مثل بولندا عملت على توزيع أقوى المديرين في المدارس، ووضعوا أفضل المدرسين في أضعف الصفوف حتى تميزت كل مدرسة بولندية بنجاحها. ومن المثير للاهتمام هو تغير بعض القناعات حتى أصبح كثير من الطلاب يؤمنون بقدراتهم وأنهم قادرون على الإبداع مهما كانت خلفياتهم، وقل الاعتقاد السائد في بعض الدول بأن الطلاب ذوي القدرات العادية لا يستطيعون الإنجاز بشكل متميز.
من الملاحظ أن عددا من الدول جعلت التعليم العام وتطويره من الأهداف الأساسية لحكوماتها، حيث عملت على إقناع مواطنيها بأهمية التعليم وشجعت الأهالي وجعلت التعليم أولوية لها ورفعت رواتب المعلمين ومكانتهم، تغير توجه الصحافة إلى الحديث عن التعليم والاهتمام به حتى أصبح بعض الناس يفضلون مهنة التعليم على المهن الأخرى، ويفضلون الذهاب إلى المدارس عوضا عن الأماكن الترفيهية. وأصبح تسجيل الأطفال في المدارس منذ سن مبكرة من أكثر اهتمامات الأهالي الذين لم يعيروا تعليم الأطفال أي انتباه سابقا، بل واعتبره بعضهم مسؤولية إضافية، مثلما حدث في ألمانيا التي استطاعت إظهار تطورها الواضح والكبير في التعليم خلال تسع سنوات فقط منذ بدء برنامج بيزا.
يرى أندرياس شلايشر، أن تقسيم العالم الذي يربط بين الدول الغنية ومستوى التعليم الجيد وبين الدول الفقيرة ومستوى التعليم الضعيف لم يعد له وجود. حيث إن الثقل الأكبر في مستوى التعليم يعتمد على تسخير الإمكانات بشكل جيد واستغلال الموارد بدراسة وتمعن، وهو ما عملت عليه كوريا، على سبيل المثال، لضمان مستوى تعليم مرتفع. على الرغم من أن كوريا كان يقارن اقتصادها باقتصاد أفغانستان قبل 40 عاما، مع ذلك تخطت جميع الدول وأصبحت كوريا قادرة على الوصول للمركز الأول من حيث جودة التعليم.
تطوير التعليم هو تكوين بيئة مجتمعية متكاملة، يشترك فيها المجتمع والمدرسة والأسرة والإعلام والثقافة العامة. فعلى سبيل المثال لوحظ في متابعة تحليل نتائج ''بيزا'' أن لدى الطالب الكوري والياباني ثقة بإمكانية الإبداع من خلال بذل جهود إضافية، بينما يشعر الطالب في دول أمريكا الشمالية أن الإبداع وراثي ومن الصعب اكتسابه.
أكد الخبير، سالف الذكر، أن نتائج برنامج بيزا والبيانات ونتائج الإحصائيات والأرقام التي نشرتها، أصبحت دافعا لكثير من الدول لتحسين تعليمها والتنافس للحصول على المراكز الأفضل بغض النظر عن اقتصادها. كما أوضحت ''بيزا'' لكل دولة بما فيها من مديري المدارس والمعلمين والأهالي وحتى الطلاب، أن مجال تطوير التعليم مفتوح ولا يمكن أن تحده أي عوامل خارجية. يجب التأكيد هنا على اهتمام خادم الحرمين الشريفين منذ أن كان وليا للعهد بتطوير التعليم عموما والتعليم العام على وجه الخصوص. على سبيل المثال لا الحصر تكوينه فريق التقويم الشامل للتعليم، الذي ناقش تقريره مجلس الشورى عام 1423هـ. وكذلك وثيقة الآراء التي قدمها - حفظه الله - للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون، واتبعتها جامعة الملك عبد العزيز بورشة عمل لتفعيلها عام 1425هـ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي