ما أغربه من كلام!

الواقع أنني من محبي القراءة بشكل عام فتارة تجدني أقرأ في كتاب الأغاني للأصفهاني، وتارة تجدني أقرأ رواية البؤساء لفكتور هيجو، وتارة أخرى تجدني أقرأ في كتاب جرأة الأمل لباراك أوباما، وأحيانا يسقط في يدي كتاب غريب الأطوار غير تقليدي يصيبك بالذهول وأنت تقلب صفحاته فأستمتع بقراءته بأحسن ما يكون، وإني أحب أن أقتني الكتب العربية القديمة، ففيها حكايات العرب قديما، كيف كانوا يعيشون وكيف كانوا يتناقشون، إنه أمر رائع جدا أن تعيش في زمن قديم تعيش مع أهله كأنك فيهم، وذات مرة وأنا أبحث عن كتب جديدة أقتنيها وجدت كتابا عنوانه "المنتخب من غريب كلام العرب"، وحين نظرت إلى مؤلفه وجدت أنه أبو الحسن علي بن الحسن بن حسين الهنائي المعروف بكُراع النمل، والكتاب تم تأليفه قبل عام 310هـ فقلت لنفسي: ما عسى أن يكون غريب كلام العرب في ذلك الزمان، وما أن التقطته حتى قرأت العجب العجاب، ورأيت فيه كلمات غريبة جداً، فقد كانوا يسمون الدماغ النَّأْمَة، ويُقال: أسكت الله نَأْمَتَهُ، ويُقال للعينين: الحُنْدُرَانِ، ومن كلامهم : أنت على حُنْدُرِ عيني، ويُقال للحم الذي بين الأسنان (اللثة) العَوَارِضُ، ومنه قِيلَ للمرأة مَصْقُولٌ عَوَارِضُها، ويُقال للقلب الجَأْش، ومن ذلك قالوا : فلان رابط الجأش، ويُقال أيضا للقلب التَّامُور، ومن ذلك قالوا: حَرفٌ في تَامُورِك خَيْرٌ من ألفٍ في وعائك، ويُقال للبطن الجَشَم، ومن ذلك قولهم: إنه لعظيم الجشم يعني سمين، ويُقال للحم: النَّحْضُ، ويُقال للشحم : النَّيُّ، والدم النُّعمان، ومن ذلك قالوا شقائق النعمان لأنه يشبه الدم لحمرته، ويقال للرجل الطويل: الشَّرْعَب، ويقال للرجل القصير: الحَبْتَر، ويقال للمرأة الطويلة الناعمة: إمرأة سُرْعُوفَةٌ، ويقال للمرأة القصيرة: بُهْصُلَةٌ، والغشمشم: الذي يركب رأسه لا يثنيه عما يريد ويهوى، ويقال للرجل الشجاع: النَّهِيكُ، ويقال للرجل الجبان الضعيف القلب: المَنْفوْهُ، ويقال للمعتدل في خلقة: الأسْجَحُ، ويقال للرجل القبيح الوجه: شَتِيمُ الوجه، ويقال للمرأة التي يخرج كلامها من منخاريها: امرأة خَفْخَافَةٌ، ويقال للرجل العنيف في السير: رجل شِهْذَارَةٌ، ويقال للمرأة السريعة المشي: شَمْشَلِيقٌ، ويقال للرجل البخيل: رجل ضُمَاضمٌ، ويقال للرجل إذا كان سريعا إلى الشر: رجل عَتِلٌ، ويقال للمرأة السيئة المشية: امرأة دَرُومٌ، ويقال للرجل القبيح المشية: القَمَيْثَلُ، ويقال إنه لذو بَزْلاَءَ: أي رأي يرجع إليه، ويقال رجل جُخَادِيٌّ: أي ضخم، ويقال امرأة رَضْرَاضَةٌ: أي كثيرة اللحم، ويقال اغْفُرُوا هَذَا الأمر بِغُفْرَتِهِ: أي أصلحوه بما ينبغي أن يصلح به.
من الرائع جدا أن تقرأ غريب الكلام منذ أكثر من ألف عام، حيث كان غريبا في ذلك الوقت لا يستخدمه سوى الأعراب، وأنا هنا لم أجلب سوى أمثلة بسيطة فالكتاب مليء بأسماء تفصيلية ستتعجب من وجودها، فتجد فيه اسم كل جزء من أجزاء الإنسان وبه كلمات كثيرة عن أحوال الحيوان وأسماء الشجر والنبات.
يبدو أن الكتاب التقليدي لا يزال يحافظ على مكانته الرفيعة والمرموقة، ولا يزال به من التشويق ما يجعلنا ننجذب إليه رغم اقتنائنا الأجهزة اللوحية، ولا أدري إن كانت تلك الأجهزة قادرة على سحب البساط من تحت أقدام الكتاب التقليدي، بالنسبة إلى جيلنا لا أعتقد ذلك، فسيبقى لتصفح الكتاب التقليدي حلاوته الخاصة، كما لتصفح الجريدة الورقية حلاوتها الخاصة، إن رائحة الورق تجعلك تعيش جوا خاصا مع كتابك، جوا يعيدك إلى الوراء مئات السنين إن كان الكتاب من تأليف مؤلفين قدماء أو أنه يتحدث عن عصور قديمة، ولا أعرف إن كانت الأجيال القادمة ستحمل نفس ولائنا للكتاب التقليدي، فقد تظهر اختراعات أخرى تجعلهم يحنون إلى قراءة الكتب بالجهاز اللوحي، لا أعرف إلى أين ستأخذنا التكنولوجيا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي