مصادر الطاقة في الشرق الأوسط بين الواقع والمأمول
يزداد الطلب على الطاقة بكل أنواعها في الشرق الأوسط، مرتكزاً بشكل رئيس إلى النمو الكبير في عدد السكان وطبيعة الأجواء المناخية؛ لذلك تبقى هذه المنطقة في العالم الأسرع نمواً في الطلب على الطاقة. ويبقى النفط أهم مصادر الطاقة في العالم، حيث تقدر الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام التقليدي، بحسب إحصائيات شركة بريتش بتروليوم 2012 بنحو 1650 مليار برميل. ويقدر تقرير ''أوبك'' لعام 2012 الاستهلاك العالمي للنفط بنحو 88.7 مليون برميل يومياً، ويتوقع أن يزداد الاستهلاك بنحو 0.8 مليون برميل يومياً في كل سنة حتى يصل الاستهلاك العالمي في عام 2035 إلى نحو 107 ملايين برميل يومياً. ما يدل على أن الاحتياطيات العالمية من النفط قد تكفي لنحو 50 سنة قادمة، إن لم يتم اكتشاف مزيد من حقول النفط التقليدية.
وتستحوذ بلدان الشرق الأوسط على نحو نصف احتياطيات النفط العالمية المثبتة. وتعتبر فنزويلا الدولة الوحيدة في العالم التي تملك احتياطيات كبيرة مماثلة لدول الشرق الأوسط؛ إذ ـــ بحسب تقارير ''أوبك'' و''بريتش بتروليوم'' لعام 2012 ـــ بلغت احتياطيات فنزويلا من النفط الخام 297 مليار برميل، معظمها من الزيت الثقيل. عدا ذلك تعد دول الشرق الأوسط أو دول الخليج العربي على الأخص اللاعب الرئيس في امتلاك النفط الخام التقليدي وإنتاجه.
في هذا السياق، تتبوأ السعودية المرتبة الأولى عالمياً من حيث إنتاج النفط والتصدير والاحتياطيات المثبتة بامتلاكها احتياطيات هائلة من النفط، وبقدرة إنتاجية تجاوزت 11 مليون برميل يومياً في عام 2011، أي بزيادة نحو 12.7 في المائة على عام 2010. وفي دول الشرق الأوسط الأخرى زاد إنتاج العراق بالنسبة نفسها، أما الكويت والإمارات فزاد إنتاجهما بنحو 14 في المائة. وتأتي زيادة الإنتاج من الدول الرئيسة في ''أوبك'' لتغطية النقص الحاصل جراء انخفاض الإنتاج الليبي بأكثر من 1.2 مليون برميل يوميا؛ نتيجة الظروف التي عاشتها ليبيا في تلك الفترة. وبهذا، تثبت هذه الدول قدرتها على تغطية أي نقص في الإنتاج جراء أي ظرف أو حظر. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تصدر أكثر من 2.6 مليون برميل من النفط الخام يومياً؛ لذلك فإن عودة الإنتاج الليبي إلى طبيعته يقلص التحدي لتعويض النقص الناتج من عدم تمكن إيران من تصدير نفطها. والحقيقة أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تنافس دول الشرق الأوسط في تصدير النفط الخام، حيث تنتج نحو عشرة ملايين برميل يوميا، وما يميزها أنه على الرغم من عدد سكانها الذي يقارب 145 مليون نسمة وكبر مساحتها وصعوبة أجوائها المناخية، إلا أنها بالكاد تستهلك ثلاثة ملايين برميل يوميا وتصدر الباقي.
ويبقى الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط من أهم الاكتشافات الحديثة في منطقة الشرق الأوسط. وتشمل هذه الاكتشافات أربعة حقول كبيرة للغاز الطبيعي تقع بين لبنان وفلسطين المحتلة ومصر وقبرص. ويقع أكبر هذه الحقول، وهو حقل أفروديت، على بعد أكثر من 250 كيلومترا غرب حيفا وعلى عمق كيلو مترين تحت سطح البحر، ثم يأتي حقل ليفاثيان فحقل تمار، وأخيرا حقل شمشون. وباختصار تبلغ احتياطيات هذه الحقول نحو 1500 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 53 مليار مليون وحدة حرارية. وعلى سبيل المثال إذا تم تصدير هذا الغاز الطبيعي بقيمة ستة إلى ثمانية دولارات للمليون وحدة حرارية فستصل قيمة هذا الغاز إلى نحو 300 مليار دولار. وتعد هذه الاحتياطيات من الغاز الطبيعي قريبة من الاحتياطيات المثبتة للغاز في مصر وليبيا والكويت كل على حدة. وتجدر الإشارة إلى أن استهلاك فلسطين المحتلة بلغ خمسة مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي في عام 2011؛ ما يعني أن معظم هذا الغاز المستكشف سيتم تصديره وبيعه بأسعار مقبولة لدول قريبة لسهولة مد الأنابيب إليها. وتجري الآن مباحثات جدية مع تركيا لتزويدها بعشرة مليارات متر مكعب سنويا عبر الأنابيب التي يمكن مدها في أعماق البحر بسعر يحتمل أن يصل إلى حدود عشرة دولارات للمليون وحدة حرارية في عام 2016؛ ما يعني أن كمية كبيرة من السيولة ستتدفق على الدولة العبرية في السنوات الثلاث المقبلة. وهنا يخطر بالبال سؤال نظري قد يكون غير واقعي، وهو: لو رغبت إحدى دول المنطقة التي ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل في الشراء من هذا الغاز الطبيعي المستكشف فما السعر الذي سيتم تحديده؟ وهل سيكون بمستوى السعر نفسه الذي كانت تدفعه إسرائيل مقابل الحصول على الغاز من إحدى دول المنطقة؟ وعلى العموم، ستمد الأنابيب تحت الأعماق إلى البر التركي وبتكلفة إجمالية قد تصل إلى أكثر من ملياري دولار، وعندئذ ستفتح أوروبا ذراعيها لهذا الغاز.
أما بخصوص الطاقة النووية السلمية، فلا يوجد جديد في الشرق الأوسط، حيث تخلو كل تقارير الطاقة العالمية من أي دولة تستخدم هذه الطاقة للأغراض السلمية. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن بعض دول المنطقة أعلنت نيتها لإقامة محطات نووية للاستخدام السلمي. لكن تبقى حصة الأسد في استخدام الطاقة النووية من نصيب كل من الولايات المتحدة وفرنسا اللتين استحوذتا على نصف الاستهلاك العالمي لهذه الطاقة. وتعد فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي تخطى استهلاكها للطاقة النووية استهلاكها للنفط، حيث وصل اعتمادها على الطاقة النووية في عام 2011 ـــ بحسب تقرير ''بريتش بتروليوم'' ـــ إلى ما يعادل 100 مليون طن نفط مكافئ، بينما وصل استهلاكها من النفط إلى 82 مليون طن من النفط. وتصل حصة الطاقة النووية في توليد الكهرباء في فرنسا إلى نحو 80 في المائة من إجمالي الإنتاج. ويستمر الاستهلاك الفرنسي للنفط في التناقص فيما استهلاكها للطاقة النووية في تصاعد مستمر.
وتبقى الطاقة النووية من أهم طاقات المستقبل ويجب على الأمم التمرس على استخدامها للمحافظة على الطاقة الأحفورية الناضبة. وما حصل في اليابان هو قدر اليابان نظراً لوجودها في أماكن تكثر فيها الزلازل والكوارث. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم أماناً من ناحية الكوارث الطبيعية؛ لذلك فقد حان الوقت للدفع بقوة بملف الطاقة النووية للأغراض السلمية وإنشاء الهيئات التي تستطيع تدريب الكوادر البشرية القادرة على التشغيل الآمن لهذه المنشآت الاستراتيجية شديدة الحساسية وتأهيلها.
وفى الختام، يشهد العالم تغييرات كبيرة وبخطى متسارعة فيما يخص الطاقة، وتبقى الطاقة الأحفورية الكامنة في الصخور رأس الحربة في تغيير مشهد الطاقة بعد عقود عدة. ولعل من أهم المستجدات المحتملة للطاقة في الشرق الأوسط هو إمكانية اكتشاف كميات هائلة من الزيت أو الغاز الصخري. ولقد جعل تقدم التقنية وتطويعها لإنتاج الزيت والغاز من الصخور دول العالم ودول المنطقة متنبهة وتواقة لأي اكتشاف أو وجود محتمل لهذه الطاقة الكامنة في الصخور. وخير دليل على ذلك التوسع الكبير الذي تشهده صناعتا الغاز والنفط في الولايات المتحدة وزيادة إنتاجها من الطاقة الأحفورية الصخرية واحتمال تصديرها لباقي دول العالم. وفى هذا الصدد لا تزال المحاولات اليابانية مستمرة في استجداء الغاز الصخري الأمريكي لتأمين مصادر جديدة لاستهلاكها المتزايد من الغاز.