فتاوى وتحولات
لفت انتباهي هذه الأيام ما أظنه مراجعات لبعض الآراء الفقهية التي كانت - عند بعض الناس - خطوطا حمراء. أصحاب السماحة الشيخ عبد الله بن منيع والشيخ عبد الله المطلق زارا ''مدائن صالح'' ومواقع أثرية أخرى، وأكدا ضرورة العناية بها باعتبارها ''كنزا وطنيا''.
حتى وقت قريب كان التصور السائد أن تلك الآثار وأمثالها، مجرد خرائب لقوم كفروا وغضب الله عليهم، فزيارتها والعناية بها أمر بغيض عند أهل الدين.
في هذا الأسبوع أيضا نشرت الصحافة المحلية رأيا لاثنين من العلماء الأجلاء يقول صراحة إن الرياضة النسائية أمر طيب ولا غبار عليه. وهذه كانت هي الأخرى من الأعمال التي نالت فيما مضى هجمات ضارية من دعاة وناشطين اعتبروها جزءا من المؤامرة التغريبية على الإسلام والمسلمين.
وقرأت قبل مدة تصريحا للشيخ عائض القرني، يؤكد أنه ''لا يوجد أي دليل يمكن أن يستند إليه المعارضون لقيادة المرأة للسيارة''، ومثله وزير العدل، رئيس مجلس القضاء الأعلى الدكتور محمد العيسى، الذي قال إن ذلك المنع لا أصل له في الدين، بل يتعلق أولا وأخيرا بأعراف اجتماعية.
يتشكل الرأي الفقهي في سياق تفاعل حميم مع مؤثرات البيئة الاجتماعية، ويستجيب لدواعيها وإلزاماتها. لا يغير الفقيه رأيه لأنه عثر على نص جديد في القرآن أو السنة كان مفقودا قبل ذلك، بل لأن معارفه اتسعت. ربما توافرت له معلومات كان يجهلها سابقا، أو لعل نطاق علاقاته كان ضيقا محدودا، فارتقى في مدارج الحياة، والتقى بطبقات أخرى من الناس، لهم عوالم فكرية وحياتية مختلفة، فتأثر بهم أو بطريقة تفكيرهم، أو بنوعية توقعاتهم.
بعبارة أخرى فإن ما يفكر فيه الفقيه هو انعكاس للبيئة الاجتماعية التي تحيط به وتؤثر فيه. فإذا اتسعت أو تغيرت، فإنها تقود إلى تحول مواز في ذهنية الفقيه وتجربته العقلية والروحية، تنعكس لاحقا على موضوعات اهتمامه ومضمون فتاواه.
ترى أي الفريقين كان على صواب: الفقيه الذي اعتبر حقوق الإنسان – في سالف الأيام – جسرا لنفوذ الغرب الثقافي ورجسا من عمل الشيطان، أم غير الفقيه الذي انتقد هذا الرأي في وقته، ونادى باحترام حقوق الإنسان وحمايتها بالقانون؟ الطبيب الذي عالج مرضاه بالموسيقى وأثبت فائدتها لهم، أم الفقيه الذي حرم هذا العلاج؟ السياسي أو المفكر الذي انتقد الرق واستعباد البشر وطالب بإلغائه، أم الفقيه الذي بحث له عن تبريرات واعتبره عملا شرعيا سائغا؟ الفقيه الذي حرم الجغرافيا واعتبرها من علوم الكفار، أم المعلم الذي درسها ودرّسها لطلابه؟