ما بين الصناعات الثقيلة والتبريد الثقيل
مع وجود شبكات الضغط العالي الكهربائية بشكل مكثف والتي نشاهدها متلازمة مع الخطوط البرية بين مناطق المملكة، فإن المواطن أو الزائر وللوهلة الأولى يجزم بأنها نفذت لخدمة صناعات ثقيلة وأن البلد مقبل على مستقبل صناعي كبير، ولكنه عندما يكتشف أن هذه الخطوط مخصصة وبنسبة تزيد على 70 في المائة من الطاقة الإنتاجية للطاقة الكهربائية الموزعة عبر تلك الخطوط لقطاع التبريد بنوعية تكييف الهواء وتبريد المنتجات الغذائية سيصاب متلقي هذه المعلومة بدهشة كبيرة لا محالة.
ومع دهشة المواطن والزائر والاعتراف بالأمر الواقع فقد بدأت القناعة ترسخ لدى وزارة المياه والكهرباء بضرورة تعديل هذا الوضع وترشيده، وفي سياق هذا العمل الجاد تأتي إقامة المؤتمر والمعرض السعودي للتدفئة والتهوية وتكييف الهواء وبمشاركة في التنظيم من المركز السعودي لكفاءة الطاقة كبادرة تدعو إلى التفاؤل والاطمئنان.
وفي غفلة من الشمس المشرقة في وطننا الغالي بدأت تتدحرج كرة ثلجية هائلة تكبر مع الزمن وليست في حاجة إلا إلى حاجز بسيط لترتطم به لتتناثر وتصيب قطاع إنتاج الطاقة في المملكة بشلل جزئي أو كلي مما قد يؤثر في كل قطاعات الإنتاج في المملكة وعلى الأخص القطاعات الصناعية والتي بدأت تعاني تقنين مخصصاتها من الغاز والنفط وذلك لاستخدامها في توليد المزيد من الطاقة الكهربائية للمحافظة على كرة الثلج التي لا يمكن الاستغناء عنها وصارت إدمانا أصاب كل قطاعات المجتمع.
ويعد قرار إلزام جميع المباني الجديدة بالعزل الحراري في كل مناطق المملكة بدءا من منطقتي الرياض ومكة اعتبارا من تاريخ اليوم الأول لهذا المؤتمر مؤشرا كافيا يدعونا للتفاؤل في إيجاد حلول منطقية وعملية لاحتواء هذا الإسراف غير المبرر في موارد الوطن، فمع مرور فترة وجيزة وكثرة إنتاج المواد العازلة والمؤسسات التجارية التنفيذية لها في جو من المنافسة الشريفة ستنخفض تكاليف العزل لتصبح في معدلات قريبة للأساليب التقليدية التي تعود عليها المستهلك بل ومع مزيد من الأبحاث العلمية ـــ إن وجدت مَن يمولها ـــ ستتفوق هذه المواد على الطرق التقليدية بالكفاءة والأداء والسعر.
ومن الطبيعي ومع بداية قرار الإلزام أن ترتفع أسعار مواد العزل الحراري حيث سيؤثر في قطاع الإسكان فمن الطبيعي أن تقل نسبة الوحدات السكنية المنشأة حديثا مما سيقلل العرض ويرفع أسعار الإيجارات العقارية وقد أكون أطلب مستحيلا، وليكن كذلك، إن رأيت أنه كان من المفروض إيجاد حوافز مادية لدعم قطاع صناعة وتجارة العزل الحراري في المملكة وذلك لإيجاد سرعة في التوازن بين الطلب والعرض ولو لمدة السنوات الخمس الأولى من فترة التنفيذ.
وأتمنى أن توجد جوائز مالية مغرية لكل من يطور أو يكتشف طرقا عملية ترشد استهلاك الطاقة بشكل عام، وفي قطاع التكييف بشكل خاص وأن تكون موجهة للوصول إلى نسبة معينة كأن تكون إحدى الجوائز لمن يستطيع خلال السنوات الثلاث المقبلة أن يخفض استهلاك الضاغط في مكيف التبريد بنسبة 15 في المائة وهنا عندما نصل إلى هذه النسبة سنستطيع تقدير كم من الطاقة سنوفر في حال تطبيق الأسلوب الجديد.
وماذا عن التبريد بطاقة الامتصاص الحراري والتي تحتاج إلى بعض التركيز في الأبحاث لتكون أحد الحلول الممكنة لتحويل حرارة الشمس المحرقة في الصيف إلى جبل جليدي في مكاتبنا ومنازلنا، هذا القطاع الواعد يحتاج إلى حوافز ليثمر وينضم إلى منظومة طرق التبريد لدينا.
أما الطاقة الشمسية الماثلة أمامنا والتي لو أنفقنا نصف دخلنا القومي على تطويرها لما كفانا في حقها، ذلك المارد الذي لو شاركنا العالم في ترويضه لخدمنا بإنتاج طاقة رخيصة نستفيد منها في استقطاب الصناعات الثقيلة إلى المملكة، لأن العمود الفقري للصناعات الثقيلة يرتكز على قاعدة وجود الطاقة الرخيصة، وعلى سبيل المثال فإن صناعة السيلكون النقي والذي يعد أغلى مكونات الخلايا الشمسية من الصناعات المرشحة للرواج في المملكة، وذلك لوجود الرمال أهم المواد الأولية الأساسية لتكوين السيلكون ووجود الطاقة الرخيصة القادمة بكل ثقة لتحل محل كل الطرق التقليدية المستخدمة حاليا، ففي عام 2012 تدل مؤشرات الأسعار على انخفاض وصل إلى 40 في المائة عن العام الذي سبقه وذلك في قيمة الألواح الشمسية على مستوى العالم.
ومع هذا التفاؤل، كل ما نحتاج إليه هو العمل بروية وجدية لترويض هذه الكرة الثلجية، بما أنعم الله علينا من موارد كبيرة في الطاقة الشمسية ولنحول حرارة الشمس من مشكلة إلى حل يفتح أمام أجيالنا القادمة كل آفاق الرفاهة والتقدم والأمن والأمان في حلنا ومعاشنا.