التشهير يعيد للشيك هيبته القانونية .. لكن؟

الإجراءات الصارمة التي أقرها مجلس الوزراء السعودي في آذار (مارس) عام 2010 بحق محرري الشيكات دون رصيد، دون أدنى شك أعادت للشيك كورقة تجارية هيبته القانونية والنظامية التي فقدها فترة طويلة من الوقت.
من بين الإجراءات الصارمة التي أقرها مجلس الوزراء لإعادة الهيبة القانونية للشيك، اعتبار أن تحرير شيك دون رصيد يعد من بين الممارسات غير النظامية وغير القانونية الموجبة للتوقيف بقوة القانون، وأن تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في جرائم الشيكات ورفع الدعوى العامة أمام الجهة المختصة بالفصل في تلك الجرائم كأي جريمة أخرى، وذلك وفقاً لنظامها ونظام الإجراءات الجزائية، وحدد النظام للجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية إصدار قرارها في القضية التي تنظرها خلال 30 يوماً من تاريخ إحالة القضية إليها، والعمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات وبخاصة إيقاع عقوبة السجن.
وتوجت هذه الإجراءات بقيام وزارة التجارة والصناعة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر بالتاريخ ذاته المشار إليه أعلاه، بالتشهير في إحدى الصحف المحلية بجريمة مواطن عمد إلى تحرير شيك دون رصيد، بعد أن أصدر ديوان المظالم بحقه عقوبات تضمنت تغريمه مبلغ 25 ألف ريال، وحبسه لمدة أربعة أشهر من تاريخ إيقافه.
هذه الإجراءات الجزائية الصارمة التي تطبق بحق مرتكبي تحرير شيكات دون رصيد، أسهمت بشكل كبير في خفض عدد الشيكات دون رصيد وقيمتها على مستوى الأفراد والشركات، الأمر الذي يؤكده التقرير الإحصائي الذي صدر أخيراً عن الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمه)، وتم نشره في العدد التاسع من مجلة "الائتمان"، التي تصدرها الشركة، الذي أوضح أن إجمالي عدد الشيكات المرتجعة انخفض في نهاية الربع الأول من عام 2012 بنسبة 54 في المائة عما كان عليه في نهاية الربع الأول من العام السابق، إذ بلغ إجمالي عدد الشيكات المرتجعة بنهاية الربع الأول من عام 2012، 10,575 شيكا، فيما بلغ إجمالي عدد الشيكات المرتجعة بنهاية الربع نفسه من عام 2011 23,212 شيكا. كما كشف التقرير أن قيمة الشيكات المرتجعة بنهاية الربع الأول من عام 2012 شهدت انخفاضا كبيرا بنسبة 57 في المائة مقارنة بنهاية الربع الأول مع عام 2011 ، إذ بلغت قيمة الشيكات المرتجعة بنهاية الربع الأول من عام 2012 نحو 1,074 مليار ريال مقارنة بنحو 2,490 مليار ريال في نهاية الربع الأول من عام 2011.
ولعبت الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمه) دورا مساندا مهما للغاية في دعم جهود الحكومة الرامية إلى القضاء على ظاهرة الشيكات المرتجعة في المملكة، بتوليها مسؤولية إدخال معلومات مصدري الشيكات دون رصيد في سجلاتهم الائتمانية، ما شكل عامل ضغط نفسيا ومعنويا مؤثرا بشكل كبير في التاريخ الائتماني لمحرري الشيكات دون رصيد، يضطرهم آجلاً أم عاجلاً إلى تصحيح أوضاعهم وعدم التورط مرة أخرى في تحرير شيكات دون رصيد.
الوسط التجاري في المملكة العربية السعودية وكل أفراد المجتمع استبشر خيراً بصدور أنظمة إجرائية وجزائية صارمة بحق محرري الشيكات دون رصيد، وبالذات بخطوة التشهير بأصحابها في الصحف المحلية، ولا سيما أن فقدان الشيك في الماضي قوته القانونية كورقة تجارية تستخدم كوسيلة فاعلة للوفاء بالالتزامات، أثر سلبياً في مصداقية الشيك وقلل من الثقة المرتبطة باستخدامه في التعاملات التجارية.
رغم هذا الاستبشار الجماهيري بصرامة الإجراءات والجزاءات المطبقة بحق محرري الشيكات دون رصيد، وبالذات بالجزئية المرتبطة بالتشهير، إلا أن البعض يساوره شيء من التوجس حول تطبيق تلك الإجراءات والجزاءات بشكل عادل على جميع أفراد المجتمع دون استثناء أو تمييز، وبالذات بالنسبة للجزئية المرتبطة بالتشهير، بحيث يطبق التشهير بحق الجميع ويطول أي كائن كان بصرف النظر عن نفوذه وسطوته وقوة مركزه الاجتماعي.
إن عدم المساواة بين أفراد المجتمع في تطبيق العقوبات والجزاءات على محرري الشيكات دون رصيد سيفقد آجلاً أم عاجلاً مصداقية تلك الإجراءات ويقلل من قيمتها القانونية والنظامية.
وهناك توجس آخر لدى المهتمين بشأن الشيك، بأن المبالغة في تطبيق الإجراءات والعقوبات بحق محرري الشيكات دون رصيد، وبالذات إجراء التشهير، قد يتسبب في إحجام أفراد المجتمع عن استخدام هذه الورقة التجارية المهمة، خوفاً من الوقوع في مشكلة تحرير شيك دون رصيد.
خلاصة القول إن الإجراءات الصارمة التي أقرها مجلس الوزراء السعودي بحق محرري الشيكات دون رصيد، التي من بينها عقوبة التشهير، أعادت للشيك كورقة تجارية للوفاء بالالتزامات هيبته القانونية واحترامه التجاري الذي فقده فترة طويلة من الوقت، الأمر الذي يؤكده التراجع الحاد في عدد الشيكات المحررة دون رصيد وقيمتها في الربع الأول من عام 2012 مقارنة بالربع ذاته من عام 2011.
ولضمان استمرارية قدرة تلك الإجراءات على معالجة مشكلة الشيكات دون رصيد، لا بد من الالتزام بعدالة التطبيق على جميع أفراد المجتمع بصرف النظر عن النفوذ والقوة، بالشكل الذي لا يتسبب في حدوث حالة من التخوف للمتعاملين، قد يؤدي إلى الإحجام عن استخدام الشيك كأداة فاعلة للوفاء بالالتزامات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي