Author

هل تخبئ سوق الطاقة تحدياً جديداً أمام دول مجلس التعاون؟

|
نقل عن الرئيس الأمريكي أوباما قوله في مقابلة مع مجلة التايم الأمريكية في يوم 19/12/2012 أن الطفرة المفاجئة في إنتاج بلاده من النفط والغاز الطبيعي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تحول في العلاقة مع الشرق الأوسط إذ ستصبح الولايات المتحدة مصدراً للطاقة. وفي نفس اليوم نقلت إحدى الصحف العربية عن معالي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي المهندس على النعيمي قوله ''إن إمدادات النفط العالمية وفيرة وإن الطلب على النفط جيد, وإن الأسعار الحالية مرضية للمستهلكين والمنتجين''. تقدر وكالة الطاقة الدولية مجموع الاستهلاك العالمي من البترول خلال عام 2012 بـ 90.5 مليون برميل في اليوم, وأن هذا الرقم سيزداد سنوياً بمعدل يتراوح بين 0.7 في المائة إلى 0.9 في المائة خلال السنوات الخمس القادمة, آخذاً في الاعتبار أن هذه الزيادة السنوية في الاستهلاك ستأتي من خارج أعضاء منظمة التعاون والتنمية للدول الـ 34 الصناعية. أما في جانب العرض فإن سوق الطاقة وعلى الأخص البترول والغاز تشهد تغيرات هيكلية كبيرة قضت ولو مؤقتاً على نظرية ''وصول إنتاج البترول إلى مرحلة الذروة''. سأستعرض أهم هذه التغيرات والخروج ببعض الاستنتاجات ذات العلاقة بدول مجلس التعاون: التغيرات الجديدة في السوق البترولية 1- سيصل إنتاج الولايات المتحدة من البترول في نهاية العام الماضي 2012 إلى 7 ملايين برميل في اليوم وهو أعلى إنتاج لها منذ عام 1992. وسيغطي هذا الإنتاج 83 في المائة من احتياجاتها. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة, في آخر تقرير لها, أن يصبح الإنتاج الأمريكي أعلى من الإنتاج السعودي في عام 2020 وأن تتحول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة في عام 2030. ويعود السبب في هذه الزيادة الهائلة في الإنتاج إلى التطورات التكنولوجية التي جعلت من الممكن استخراج البترول من الصخور الحاضنة له بتكلفة اقتصادية ترواح بين 44 - 68 دولارا للبرميل الواحد. وإلى جانب الولايات المتحدة فإن هناك مكامن كبيرة لتلك الصخور الحاضنة للزيت في كل من جنوب إفريقيا والصين والأرجنتين. وتعمل الحكومة الكندية جاهدة لتطوير التكنولوجيا لتتمكن من استغلال الرمل الزيتي الموجود لديها بكميات كبيرة. كما وجهت بعض الجهود لتطوير عملية استخراج الزيت الثقيل من أعماق المياه الإقليمية لكل من البرازيل وفنزويلا. 2 - في الوقت الذي تحدث فيه هذه التطورات غير المسبوقة في إنتاج الولايات المتحدة من البترول (والغاز) هناك تطور آخر يتمثل في زيادة إنتاج البترول من مصادره التقليدية: * فقد وصل الإنتاج العراقي في سنة (2012) إلى 3.35 مليون برميل في اليوم وهو الأعلى منذ عام 1998. وينتظر أن يزداد إلى 3.7 مليون برميل في نهاية عام 2013 ثم إلى 4 ملايين برميل في اليوم في عام 2014 حسبما نقل عن الوزير العراقي عبد الكريم اللعبي يوم 23/12/2012. * كما أن الإنتاج الليبي وصل في شهر كانون الأول (ديسمبر) من هذا العام 2012 إلى 1.5 مليون برميل في اليوم, ويخطط له أن يصل إلى 1.7 مليون برميل في اليوم في عام 2013. وهذا الرقم يفوق مستوى الإنتاج الليبي في أواخر أيام القذافي. * أما نيجيريا التي تعرض إنتاجها للانخفاض بسبب القلاقل السياسية والمشاكل القانونية والفنية مع الشركات المنتجة فيتوقع أن يزداد إنتاجها في عام 2013 بـ 500 ألف برميل في اليوم ليعود إلى مستواه السابق لتلك الأزمات والمشاكل. * وفيما لو استطاعت إيران التوصل إلى اتفاق مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي فإنها هي الأخرى مرشحة لزيادة إنتاجها بكميات كبيرة. فقد انخفض إنتاجها هذا العام 2012 إلى 2.62 مليون برميل في اليوم مقارنة بـ 6 ملايين برميل في اليوم قبل ثلاثة عقود. وهذا الاتفاق قد يحدث أسرع مما يعتقد الكثيرون نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية في جمهورية إيران الإسلامية. فقد ذكرت صحيفة ''نيويورك تايمز'' في أواخر شهر كانون الأول (ديسمبر) 2012 أن الحكومة الإيرانية على استعداد لمثل هذا الاتفاق. * وتخطط دولة الكويت لزيادة طاقتها الإنتاجية من مستواها الحالي البالغ 2.9 مليون برميل في اليوم لتصل إلى 4 ملايين برميل في اليوم في عام 2020 . وتأخرت هذه الخطط بفعل الاعتراضات التي أبداها غالبية نواب مجلس الأمة السابق . إلا أنها قد لا تواجه نفس المعارضة من مجلس الأمة الحالي. 3 – استنتج أحد الباحثين المرموقين في مجال الطاقة أن أكثر من 49 مليون برميل في اليوم يخطط لها أن تضاف إلى الطاقة الإنتاجية الحالية في عام 2020, أو ما يزيد على نصف الإنتاج الحالي . وإذا خصم من هذا الرقم عوامل المخاطرة والانخفاض الطبيعي بسبب الاستنزاف من الحقول المنتجة حالياً فإن صافي الزيادة المتوقعة, استناداً إلى هذا الباحث هي في حدود 17.6 مليون برميل في اليوم . وهذه تعتبر الأكبر خلال العقود الأربعة الماضية. وهناك شبه إجماع من المختصين على صحة هذه التقديرات حول الزيادة إلا أن الخلاف انصب حول معدلات الانخفاض في الإنتاج من الحقول الحالية نتيجة الاستنزاف. 4 – يتوقع أن يصل مجموع الطلب على البترول في نهاية هذا العام 2012 إلى 90.6 مليون برميل في اليوم . ولو أضفنا إلى ذلك زيادة سنوية بمعدل متفائل هو متوسط الزيادة في الطلب خلال الفترة القريبة الماضية وهو 0.85 في المائة فإن الطلب المتوقع في عام 2020 سيكون في حدود 97.6 مليون برميل في اليوم. يقابل ذلك ما يتوقع عرضه من المنتجين التقلديين والمنتجين الجدد والذي يقدر بـ 108.2 مليون برميل في اليوم. أي أنه سيكون هناك فائض في المعروض بحدود 10.4 مليون برميل. ولا شك أن الرقم النهائي للفائض المعروض سيعتمد على معدلات النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة الرئيسية والذي قد يخيب ظن الكثيرين. ماذا تعني هذه التطورات لمجلس التعاون؟ هذه الأرقام تعني أن الطلب على البترول المصدر من منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ومن ثم دول مجلس التعاون سيبدأ في الانخفاض أو أنه قد بدأ بالفعل. فالسقف الذي وضعته منظمة الأوبك هو في حدود 30 مليون برميل في اليوم (دون وضع حصة محدودة لكل دولة). وكان الإنتاج يزيد على ذلك بكثير بسبب زيادة الطلب. إلا أنه انخفض في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2012 إلى 30.8 مليون برميل وهو أقل إنتاج لأوبك خلال العام. وضمن ذلك انخفض إنتاج المملكة العربية السعودية من 10.2 مليون برميل في اليوم إلى 9.5 مليون برميل في اليوم في نفس الشهر. ويتوقع أن ينخفض الطلب على بترول أوبك في العام القادم 2013 إلى 27.7 مليون برميل في اليوم. رغم أن التنبؤات بأسعار البترول في السابق قلما تحققت إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن الأسعار الحالية لن تستمر طويلاً ولابد أن تنخفض. إلا أن العوامل السياسية في المنطقة وخصوصاً ما تشهده من حراك سياسي, إضافة إلى انخفاض إنتاج كل من كندا وبحر الشمال والبرازيل والمشاكل السياسية والأمنية في كل من سورية وجنوب السودان ساهمت وتساهم في إبقاء الأسعار صامدة حتى الآن. إذا أخذ العرض المنحى الذي ذكرته سالفاً وهو ما توحي به الدلائل وانعكس ذلك انخفاضاً في الأسعار فإن ذلك سيشكل تحدياً رئيسياً لدول المجلس. ففي الوقت الذي تجد فيه نفسها مضطرة لإعطاء الفرصة للمنتجين الآخرين, بما في ذلك المنتجين الجدد, لبيع بترولهم, فإنها مضطرة أيضاً للإبقاء على أسعار البترول مرتفعة حتى تستطيع مواجهة المصروفات المتزايدة داخلياً وخارجياً بسبب النمو المتسارع في الميزانيات والالتزامات الجديدة التي أملاها الحراك السياسي. وهذا يقود إلى سؤال أساسي حول الأسعار المستهدفة لتغطية هذه النفقات. رغم أنه ليست هناك أسعار محددة في الميزانيات المعلنة إلا أن التقديرات تذهب إلى أنها تراوح من 65 إلى 95 دولارا للبرميل الواحد . غير أن المعهد الدولي للتمويل, وهو جهاز أنشأته البنوك الرئيسية في واشنطن للدفاع عن مصالحها, يقدر السعر الذي ستحتاج إليه المملكة العربية السعودية مثلاً, لتغطية نفقاتها هى في حدود 110 دولارات للبرميل الواحد . وكما عرضنا سابقاً فإنه من غير المرجح أن يصل السعر إلى هذا الرقم ويبقى هناك مدة طويلة. وقد يقال إن لدى دول المجلس احتياطيات نقدية كبيرة ستمكنها من سد أية فجوة بين الإيرادات والمصروفات, إلا أن المتوقع أن يستمر الضغط على الطلب والأسعار لمدة أطول مما حدث في السابق. وقد شاهدنا في الدورات السابقة كيف تبخرت هذه الاحتياطيات. سأختتم بالإشارة إلى الجوانب الأخرى للتغيرات الهيكلية الحاصلة في السوق البترولية . ففي الجانب الإيجابي يمكن الإشارة إلى: * أن بروز منتجين جدد سيخفف الضغوط على منظمة الأوبك, وبالتالي دول المجلس حول المسؤولية عن تلوث البيئة وزيادة الأسعار. * ستقل الضغوط داخل منظمة التجارة العالمية وخارجها حول مراجعة أسعار البترول والغاز للاستخدام المحلي. * ستتغير سوق الفحم حيث سيقل الطلب عليه في الولايات المتحدة ويزداد خارجها مما يساهم في المزيد من تلوث البيئة بسبب ذلك وليس بسبب البترول. * طالما أن الإنتاج بالطرق الجديدة ومن مناطق جديدة يتم بتكلفة عالية فإن هناك حداً أدنى لهبوط الأسعار مما يضمن دوراً بارزاً لبترول الخليج في الاقتصاد العالمي لمدة طويلة نتيجة للتكلفة الإنتاجية المنخفضة مقارنة بالبترول الجديد. * قد يؤدي انخفاض الطلب ومن ثم انخفاض الأسعار إلى الإسراع في جهود الإصلاح الاقتصادي. أما الجوانب السلبية فيمكن إبراز أهمها: * زيادة تلوث البيئة بما في ذلك تلوث المياه نتيجة لطرق الإنتاج الجديدة, والاستخدام المكثف للفحم خارج الولايات المتحدة قد يؤدي إلى رفض شعبي في الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. *إن التوسع في استخراج الغاز بطرق جديدة ومن مناطق جديدة سيؤدي إلى نمو إنتاج البتروكمياويات في تلك الدول مما قد يؤدي إلى منافسة شرسة مع منتجي دول مجلس التعاون في وقت تواجه فيه هذه الصناعة تباطؤاً في الطلب.
إنشرها