حانت لحظة الاتحاد !!

بناء العلاقات الايجابية مع الآخر لم يعد نوعاً من الترف أو التسلي بحيث يتم إخضاعها للحالة المزاجية، فإما أن تقام أو لا تقام فهي والعدم سواء.. لا، إنها مسألة وجود، أو حياة أو موت، خاصة والعالم يموج بتقلبات ومتغيرات تدفعه كرهاً وعلى نحو غير مسبوق إلى بناء تكتلات سياسية و اقتصادية بهدف مواجهة تقلبات اللحظة الآنية وغموض المستقبل، وهي معضلات لا يمكن لأي دولة مهما كانت قدراتها التصدي لها أو التعامل معها بمفردها، ولذا فقد أصبحت كل صور الانعزال عن الآخر تحت دعاوى الخوف من طمس الهوية أو الذوبان في بوتقة الأقوياء مرفوضة وملفوظة شكلاً وموضوعاً في ظل أوضاع عالمية راهنة أجبرت الجميع على الدوران في فلكها، وفى ظل ثورة معلوماتية جعلت من الكرة الأرضية برمتها قرية صغيرة يتجول فيها الحدث والحديث بسرعة الضوء أياً ما كانت هي النقطة التي وقع فيها، بل وأصبح ما يقع في مكان ما من العالم يؤثر فوراً من خلال تداعياته سلباً أو إيجاباً على مكان آخر.

وما دام الأمر كذلك فلا مناص إذن من البحث الدائب على أفكار جديدة وخلاقة تتسق مع مجريات الواقع من أجل إنشاء قنوات اتصال جارية مع الآخر، لأن الضرورة العصرية، أو الحياتية، أو الثقافية، أو السياسية، أو الاقتصادية تفرض ذلك وبقوة، ولذا كانت الاستجابة لكل دعوة عربية تطلق في هذا الإطار من أجل إقرار تكتل على أي نحو واجب لا يجب التراخي في أدائه الآن، لأن القادم من المتغيرات قد لا يمنح الكثير من الفرص للتعاون والتكامل، وإن ادَّعت دولة ما بلسان حالها أو مقالها أنها ليست في حاجة لأحد فلسوف يأتي اليوم الذي تواجه فيه الريح بمفردها بعد أن وضعت نفسها في سجن العزلة بالاستعلاء والغرور.

إنَّ التفسير المستقيم لدعوات التكامل الاقتصادي - على الأقل - بات فرض عين الآن في ظل عالم يسعى نحو تشكيل محاور اقتصادية وإن اختلفت وجهات النظر السياسية، لأن الوقت لم يعد يسمح بسوء التفسير أو سوء الظن، لأن الكل في احتياج الكل ولا توجد في هذا الإطار دولة فقيرة ودولة غنية ما دامت كل دولة في حالة عوز إلى الدولة الأخرى، والاتحاد الأوربي بشكله الاقتصادي يقدم النموذج البارز في هذا المضمار.

إنَّ الأمل معقود في الوطن العربي على دولتين اثنين أظنها قادرتين على حل هذه المعادلة المعقدة وإن تحركتا بإرادة فسوف تنحل كثيراً من العقد.. إنهما الكبيرتين مصر والسعودية، فمفتاح لملمة شمل الأمة تحت مظلة اقتصادية كبداية ينطلق من أروقة هاتين الشقيقتين، ولا أعتقد أن الإرادة السياسية أو الإدارة الاقتصادية في كلا البلدين غافلة عن ذلك.

ثم إن الأمل معقود كذلك في كافة الأقلام التي تبحث في الصالح العربي أن تعرض الأسباب الحقيقية التي أخرت - للآن - إقامة سوق عربية مشتركة بمنتهى الصدق و الأمانة، وأن تقترح حلولاً عملية ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجه الأمة، بدلاً من الحوم حول المشكلات من الخارج والنتيجة لا حل، فربما أتيح الحل الآن، أما في يوم غد فقد يكون الحل عزيز المنال، ومن ثم فلا بد يكون مداد هذه الأقلام نوراً وبرهاناً على طريق إصلاح الوضع العربي، وأن تكون كلمات المجتهدين والباحثين والمهتمين وغيرهم علامات هادية على هذا الطريق، وأن يكون البحث دائماً في الجذور بدلاً من أن نسطح المشكلات ونبحث في قشورها على استحياء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي