خريطة طريق لتعامل المصارف مع قانون «فاتكا»

أشارت صحيفة ''المستقبل'' اللبنانية في خبر بعددها 4479 الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الجاري، بعنوان: ''خارطة تساند المصارف العربية في التعامل مع التشريع الضريبي الأمريكي''، إلى إعلان رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية، جوزيف طربية، عن وضع خريطة طريق تساند المصارف العربية في التعامل مع القانون الأمريكي الضريبي الجديد ''فاتكا'' Foreign Account Tax Compliance (FATCA) Act حفاظاً على مصالح المصارف العربية في علاقاتها مع النظام المصرفي الأمريكي، الذي يعد ممرا رئيسيا للتحويلات والعمليات المالية التي تجري في السوق الدولية.
جدير بالذكر أن قانون الامتثال الضريبي على حسابات الأمريكيين الخارجية الجديد ''فاتكا''، الذي أصدره المشرع الأمريكي في عام 2010، المرتبط بالتحديد بمصلحة إيرادات الضرائب الأمريكية Internal Revenue Services – IRS، يخول السلطات الضريبية الأمريكية ملاحقة المكلفين من الأفراد خارج حدود الدولة الأمريكية (الذين لديهم أرصدة حسابات تزيد على 50 ألف دولار أمريكي)، باستخدام النظام المصرفي العالمي وغيره من الكيانات التجارية، للقيام بدور المتابع والمحصل للضرائب من حسابات الأمريكيين خارج الولايات المتحدة، وذلك أسوة بحسابات المواطنين والمقيمين داخل أمريكا. كما يستهدف التشريع الضريبي الأمريكي الجديد، أيضاً، الكيانات التجارية الأجنبية من شركات وغيرها، التي يكون للأمريكيين مساهمات فيها تتجاوز نسبة معينة من رأسمالها، وتحقق مستوى معينا من الإيرادات، بالتصريح عن أصولها ومداخيلها أياً كان نوعها.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن ''فاتكا''، الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2014، يتطلب إفصاح المصارف العالمية التي يحتفظ فيها الأمريكيون بحسابات واستثمارات مصرفية (قائمة وجديدة)، عن الأرصدة وفقاً لضوابط معينة وتدرج زمني محدد، يشمل الحسابات ذات الأرصدة المرتفعةHigh Valued Accounts، التي تكون أرصدتها أكثر من مليون دولار، والحسابات ذات الأرصدة المنخفضة Low Value Accounts، التي تكون أرصدتها أقل من مليون دولار وتزيد على 50 ألف دولار.
كما قد يتطلب الأمر من حكومات دول العالم للامتثال للقانون الضريبي الأمريكي الجديد، توقيع اتفاق على مستوى الحكومات intergovernmental agreement، أو بين المصرف ومصلحة الضرائب الأمريكية التابعة لوزارة الخزانة، يصرح بموجبها المصرف عن عملائه حاملي الجنسية الأمريكية وحساباتهم، ليقوم مكتب السياسة الضريبية باقتطاع المبلغ المترتب على هؤلاء وفق القانون.
ويستهدف قانون ''فاتكا'' المواطن الأمريكي من أصل أمريكي، والحاصل على الجنسية أو من لديه إقامة قانونية Green Card أو إقامة واقعية في الولايات المتحدة، وغير ذلك من الأشخاص الذين لهم صلة بصورة أو بأخرى مع الولايات المتحدة ويخضعون نتيجة لذلك للضريبة الأمريكية، بفعل احتفاظهم بحسابات مالية مفتوحة في الخارج لدى مؤسسات مالية أجنبية من مصارف وغيرها.
أما بالنسبة للآلية التي بموجبها يتوقع تطبيق القانون الأمريكي الضريبي الجديد، فستكون وفق اتجاهين. الأول يتمثل في توقيع اتفاق بين المصرف ومصلحة الضرائب الأمريكية IRS التابعة لوزارة الخزانة، يصرّح بموجبها المصرف عن عملائه حاملي الجنسية الأمريكية وحساباتهم، ليقوم مكتب السياسة الضريبية باقتطاع المبلغ المترتب على هؤلاء وفق القانون، والثاني يتمثل في حال عدم تعاون حكومات الدول أو مصارفها مع القانون الجديد، وفي هذه الحالة يسمح القانون الأمريكي لمصلحة الضرائب الأمريكية باقتطاع 30 في المائة من التحويلات الجارية بواسطة المصارف الأمريكية من حسابات المصرف الذي لا يلتزم بالتصريح عن عميله حامل الجنسية وفق لوائح الخزانة الأمريكية.
وبغية تفادي المصارف العالمية التي تحتفظ بحسابات واستثمارات مصرفية تعود ملكيتها إلى عملاء أمريكيين، التعرض لعقوبات القانون الأمريكي نتيجة عدم الالتزام بتطبيق القانون، عليها سرعة بحث الآلية المناسبة للامتثال للقانون الضريبي الجديد، ما قد يتطلب منها إجراء بعض التعديلات التشريعية والتنظيمية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية إجراء التعديلات اللازمة لنماذج الحسابات ونظام (اعرف عميلك)، بحيث تتناسب مع متطلبات القانون.
من بين التحديات والمخاطر التي ستواجه دول العالم في سعيها للامتثال لقانون فاتكا الضريبي الجديد، قصر المدة الزمنية المتاحة أمام المصارف لتحضير معلوماتها بشأن عملائها الأمريكيين، ومدى جاهزية أنظمتها المعلوماتية لتوفير المعلومات المطلوبة عن تلك الحسابات، بالشكل والأسلوب والمنهجية التي تتوافق مع القانون وتفي بمتطلباته.
خلاصة القول، إن تعامل المصارف العالمية مع متطلبات القانون الضريبي الأمريكي الجديد ''فاتكا''، يفرض على المصارف العالمية أكثر من تحد خلال الفترة المقبلة، كونه يتطلب منها في وقت قصير جداً من الزمن إيجاد الآلية المناسبة للالتزام بمتطلباته، ولا سيما أن الامتثال للقانون الجديد قد يتطلب من المصارف التي تحتفظ بحسابات واستثمارات مصرفية تعود ملكيتها إلى عملاء أمريكيين، إجراء بعض التعديلات التشريعية والتنظيمية التي قد تطول نماذج الحسابات ونظام (اعرف عميلك) بحيث تتناسب مع متطلبات القانون.
ومن بين التحديات أيضاً، قدرة المصارف العالمية على الموازنة بين متطلبات القانون، وبين المحافظة على سرية حسابات وبيانات العملاء، ما قد يعرضها لاحتمالية فقدان بعض من عملائها، ولكن في الوقت نفسه إن عدم التزامها وامتثالها للقانون قد يتسبب في حدوث ارتباك في العلاقة المصرفية التي تربطها بالمصارف الأمريكية، وبالذات بالنظام المالي والنظام المصرفي الأمريكيين، اللذين يعدان ممرين رئيسيين للتحويلات والعمليات المالية التي تجري في السوق الدولية، إضافة إلى أن عدم الامتثال سيعرض المصارف العالمية لعقوبات مالية باهظة، تتمثل في استقطاع Withholding Taxes بنسبة 30 في المائة من التحويلات الواردة إليها من الولايات المتحدة، ما سيتسبب في تحملها خسائر مالية كبيرة قد تؤثر في أدائها المالي على المدى الطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي