«حارس الأمن» ليست مهنة وليست حلا

مع كل احترامي لأولئك الذين يعملون في وظيفة حارس أمن في القطاع الخاص، هذه الوظيفة ليست مهنة، أقول ذلك لأنني أقرأ وأسمع أن كثيرا ممن يعملون حراس أمن يتذمرون من نظرة المجتمع لهم، ومن رفض تزويجهم على أساس أنهم حراس أمن. ليس إقلالا من أهمية هذا العمل ودوره، لكن الظروف التي تحيط به تجعل من الصعب أن يُعترف به كمهنة، وأن يطمئن من يعمل بها على مستقبله ومستقبل أسرته. فكي تعمل حارس أمن ليس عليك أن تقدم شهادة من أي نوع، يكفي أن تقرأ وتكتب، لا يهم إذا لم تكن لديك خبرة، ولا يهم إذا كنت تفهم ماذا يعني الأمن، كما لا يهم أن تأخذ دورات تدريبية متخصصة، ذلك أنك ستعمل حارس أمن بمجرد كونك تستطيع أن تتكلم وتتحرك وتصرخ إذا لزم الأمر. ليس هناك عوائق من أي نوع يمكن أن تصنف تحت اسم عوائق مهنية، فلا مشكلات في دخول هذه المهنة، كما لا توجد صعوبات عند مغادرتها، لهذا كله فإن أقل الأجور أجور حراس الأمن، فهم في كل مكان تقريبا كما ملح الطعام. في المقابل لا يوجد خطر على أي شركة تريد أن توظف حراس أمن، ولا يوجد عليها مخاطر – وهذا الأهم - من فصلهم، لهذا من الصعب أن تشعر أي أسرة بأن ابنتها في أمان مع حارس أمن، هذه حقيقة مرة يجب أن نعترف بها، لكن الخطير في الأمر أنها هي الوظيفة المتاحة للسعوديين في القطاع الخاص.
عندما كنت أقوم بأبحاثي التي تقتضي مني زيارة الشركات العاملة في المملكة، كنت أتعرف على السعوديين الذين يعملون حراس أمن بسهولة في كل الشركات تقريبا، لكن المدهش دائما أنه بمجرد الدخول إلى مقر الشركة فإنك تصبح في مكان آخر من العالم، فليس هناك سعودي واحد يعمل في الوظائف الإدارية سواء في الإدارات الدنيا أو الوسطى، ومهما قيل عن الأسباب والتبريرات لمثل هذا، فإن كل ما نعرفه هو أن المواطن يجد صعوبة في الوصول إلى داخل شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وعليه فقط أن يبقى عند باب الحراسة. عندما قرأت عن ردة فعل رجال الأعمال وتصريحاتهم في مقابل قرار وزارة العمل بأن تدفع كل شركة 200 ريال عندما – وعندما فقط - تقل نسبة السعودة فيها عن 50 في المائة، وجدت نفسي أبحث عن القرار مرة أخرى لأقرأه وهل 200 ريال مرتبطة بنوع الوظيفة أو بالراتب، بحيث تتصاعد كلما تصاعد راتب الموظف الأجنبي؟ ولما لم أجد من ذلك شيئا لم يعد مستغربا عندي حجم الغضب العارم من رجال الأعمال على القرار، ذلك أنهم جميعا يعرفون أن السعودة لديهم لا تتجاوز مدخل الشركة، وليس لديهم نية صادقة لنقل المواطن من البوابة إلى الداخل.
لقد كنت أعتقد أن مشكلة السعودة في بلادنا تكمن في المنافسة غير الشريفة من قبل العمال الأجانب، وكنت أصر على أن تصحيح المسار يكمن في فرض ضرائب على العمال لإجبارهم على رفع رواتبهم حتى تتعادل مع متطلبات الحياة في المملكة، وبذلك يجد طالب العمل السعودي فرصة للمنافسة، لكن الحقيقة تبدو أكثر تعقيدا من ذلك، فالمسألة تبدو شائكة مع الرفض التام وغير المبرر من قبل رجال الأعمال دخول المواطن إلى عرين شركاتهم، على أنهم لا يمانعون من عمل المواطن في أعمال اخرى بعيدة عنهم كالحلاقة وغيرها، وليس والله تقليلا لشأن هذه المهن، لكن الفرص المتاحة للمواطن السعودي المتعلم موجودة بوفرة كبيرة في القطاع الخاص الذي يغلق دونها أبوابه.
وفي خضم الوفرة الهائلة للوظائف المتاحة للمواطن في القطاع الخاص، لست أفهم كيف يبرر رجال الأعمال رفضهم قرار وزارة العمل، على أساس أن القرار سيتسبب في رفع الأسعار، كأنهم اليوم أصبحوا حريصين على استقرار الأسعار وحريصين كل الحرص على المواطن البسيط، فالتاجر عندما يقرر رفع الأسعار لا يهدد بها. لو أن رجال الأعمال قبلوا بالقرار ورفعوا الأسعار لما كان في يد المواطن أكثر من تقبل ذلك كما تقبله من قبل، فلماذا في هذا الموضوع بالذات ظهر القلب الأبيض لرجال الأعمال، وهم الذين طالما سارعوا في رفع الأسعار بمجرد صدور تقارير غير رسمية عن أزمة محتملة حتى في أسواق الواق الواق؟ لقد تمنيت حقا أن يأتي رجال الأعمال في ثياب غيرها، وأن يرفعوا لوزارة العمل قائمة بالوظائف المتاحة لديهم التي تغطي نسبة 50 في المائة فورا، ثم يطلب من وزراة العمل ومعها صندوق الموارد البشرية أن تعلنها برواتب وحوافز مجزية جدا، فإذا لم تستطع وزراة العمل أن توفر لهذه الشركات الجادة الموظفين الجادين، فإن عليها أن تعفي هذه الشركات من دفع 200 ريال. لو أنهم فعلوا مثل هذا لكنا شهدنا لهم بأنهم على حق وأن المواطن يريد فعلا أن يبقى حارس أمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي