المركزية .. «قال انفخ يا شريم قال ما من برطم»

أصاب بالحيرة، عندما أسمع بمدير أو مدير عام يقبع جالسا خلف مكتبه منذ حضوره وحتى انصرافه، وليست لديه الصلاحيات في أن يمارس دوره التنفيذي ويتحمل النقد والشتم على أنه هو المسؤول عن كل شيء، ونجعله في مواجهة مع المواطنين والآخرين في الوزارات المركزية يتفرجون عليه وبيدهم القرار والصلاحيات.
اليوم أكبر تحد يواجه المملكة هو المركزية في اتخاذ القرار والصلاحيات، فهناك أمراء مناطق ومديرون عامون لكل وزارة في كل منطقة ومحافظة، يتوقع منهم المواطن ويعتقد أن الحل والربط بأيديهم فيما يتعلق بالمشاريع والعقود والأولويات، ولكن الواقع مختلف تماما فالوزارات لها طريقتها في الإدارة والإشراف والأولويات والخطط والمفاهيم التي تختلف عن المناطق، ومن حقها أن تأخذ بتوصيات أمراء المناطق أو لا تأخذ بها .. المهم أن القرار في آخر المطاف مركزي وبيد الوزير المختص.
الإيمان لدى أولئك ضعيف بالتحول إلى اللامركزية وإعطاء التنفيذيين الذين هم في وجهة المدفع والقريبين من المواطنين، الصلاحيات مدعومة بالإمكانات المادية.
هناك تساؤلات أيضا محيرة، فأنت تسمع بالمليارات من الميزانيات وبالتعثرات في بعض المشاريع، وتشاهد في الوقت نفسه إدارات عامة وموظفين ومديرين ومقار في كل منطقة ومحافظة، وتستغرب أيضا ماذا يفعل هؤلاء، ولماذا هناك قصور في التخطيط والرقابة والإشراف والمتابعة، ولماذا تكثر المطالبات وبدون إجابات؟ ولماذا لا نشاهد هذه الخيرات ملموسة ومحسوسة؟ حتى أن بعض الجهات في تلك المناطق تعج بالموظفين والمديرين إلى درجة التضخم، ومع ذلك عندما تحاول أن تنهي أي معاملة لك تجد أنها تأخذ منك الكثير من الوقت والجهد والمراجعات، لأن الأمر والقرار ليس بيد هؤلاء المديرين، بل بأيدي الإدارات المركزية في الوزارات، وطبعا ستكون النتيجة بدون شك فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا الأمر في غاية الخطورة. الذين يقومون للامركزية يقدمون الكثير من المبررات التي تقوي وجهة نظرهم ويعتقدون أنهم هم المواطنون الصالحون وغيرهم هناك شك في أمانتهم أو قدراتهم الإدارية والقيادية، وهي في آخر المطاف أزمة ثقة من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المركزية تحقق للبعض الهالة والمصالح الاجتماعية وغيرها، وفي مقدمتها السلطة والتسلط، ولا ننسى أن المتمسكين بالمركزية لديهم رغبة ملحة وشديدة وحب للتملك والاستحواذ ونسب كل إنجاز لهم من زاوية الشخص الأوحد والأكمل والأفضل .. لذا فإن المركزية عادة ما تقتل هؤلاء الأشخاص اجتماعيا ونفسيا وصحيا ولا تخلق في المجتمع قيادات إدارية جديدة.
من الناحية النفسية والاجتماعية نحن بهذا السلوك الإداري نعزز لدى تلك المؤسسات والموظفين الشعور باللامسؤولية وزحلقة الأمور على الغير واللامبالاة وعدم الشعور بالتقدير والاحترام للدور الذي يقومون به.. كما يعزز لديهم الشعور بعدم فعالية الشراكة في بناء الوطن وأنها عبارة عن شعارات لا تنطبق على مستوى الواقع، ويخلق لديهم مفهوما معاكسا للعمل بروح الفريق الواحد.
على مستوى الواقع وكل النظريات الإدارية لا يمكن أن تمارس الإدارة عن بعد وخاصة فيما يتعلق بالمتابعة والإشراف على الخدمات والمشاريع، فأقرب الناس لإدارتها هم من يعيشون بقربها... والمركزية في آخر المطاف هدر لا مثيل له للموارد البشرية والمادية والعقول، وإضاعة للوقت وتأخير وتعقيد للإجراءات.. ومن يناهض اللامركزية ويصفها بأنها تسيب وفلتان يجب أن يدرك أنه ليس هو المواطن الوحيد في هذا البلد وليس هو المسؤول المواطن الوحيد وليس من حقه فرض أي وصاية أو حماية زائدة على الآخرين ومصالحهم وسعادتهم ورفاهيتهم، ويمكن بأساليب مختلفة تتم الرقابة والإشراف وتطبيق الجودة وعلى رأسها استخدام التطبيقات الإلكترونية، ونحن اليوم أمام تعزيز المركزية قد نجد أنفسنا في مأزق أمام المسؤولية والموارد والتجاوزات والأخطاء، فمن السهل التهرب من المساءلة والمسؤولية في ظل المركزية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي