التكييف القانوني للصراع الدائر في سورية

وصف الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية، ما يجري في سورية هو حرب أهلية حقيقية، وإن أنكر طرفا الصراع ذلك، حيث يرى النظام السوري الذي يترأسه بشار الأسد أن ما يحدث ليس حربًا أهلية، وأن الحكومة تحارب الجماعات الإرهابية المسلحة، بينما يرى الثوار أنهم يقاتلون في سبيل تحرير الشعب السوري من حكم وحشي استبدادي. واعترض الشيخ حمد بن جاسم بن حميد آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري على وصف ما يجرى في سورية بأنه حرب أهلية، وقال إنها حرب إبادة، وأعطيت لها الرخصة من الحكومة السورية والمجتمع الدولي. واعترض أيضًا بعض قادة فصائل المعارضة السورية على وصف الصراع الدائر في سورية بأنه حرب أهلية؛ لأن ذلك الوصف في تصورهم قد يوحي بأن ما يجري في سورية حرب طائفية بين الطائفة السنية، التي تمثل أغلبية الشعب السوري، والطائفة النصيرية (العلوية) التي ينتمي إليها بشار الأسد، بينما في الواقع يشترك في الثورة السورية أفراد من جميع مكونات الشعب السوري، وأن الصراع في حقيقته يدور بين الشعب السوري بكل مكوناته ونظام بعثي مستبد تسيطر عليه زمرة باغية تنتمي إلى الطائفة النصيرية.
والواقع أن ما يجرى في سورية بدأ كثورة شعبية سلمية تطالب بالحرية والكرامة والعدالة. ونتيجة للعنف والإرهاب المسلح الذي مارسه النظام الحاكم لإخماد هذه الثورة اضطر الثوار إلى حمل السلاح للدفاع عن النفس. فأصبح الوضع في سورية نزاعًا مسلحًا داخليًّا سرعان ما تطور إلى نزاع مسلح دولي نتيجة لتدخل أطراف دولية، فإيران وحكومة نوري المالكي في العراق، الرازحة تحت النفوذ الإيراني، وحزب الله اللبناني، صنيعة إيران، تدخلوا بقوة إلى جانب نظام بشار الأسد وأمدوه بالسلاح والعتاد والمال، بل بالرجال أيضًا، وروسيا والصين تدعمان نظام الأسد سياسيًّا وعسكريًّا، واستخدمتا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ثلاث مرات لمنع صدور قرار يضع القواعد والوسائل اللازمة لإنهاء مأساة الشعب السوري. وبتاريخ 01/11/2012م نشرت جريدة "الأهرام" المصرية تصريحًا للنقيب عمار الواوي، أمين سر الجيش السوري الحر المعارض، قال فيه إن الجيش الحر تمكن من قتل وأسر ضباط روس من رتب عسكرية مختلفة كانوا يقاتلون مع الجيش السوري النظامي في المعارك الدائرة حاليًّا، وأنه إضافة إلى الأسرى الروس يحتفظ الجيش الحر بأسرى إيرانيين وأسرى من حزب الله ومن جنسيات أخرى.
من جهة أخرى، تقف تركيا وبعض الدول الأخرى إلى جانب الثوار وتمدهم بالمال والسلاح، لكن إمداد الثوار بالسلاح لم يصل إلى المستوى الذي يجعل طرفي الصراع متعادلين في القوة، بل إنه لا وجه للمقارنة بين قوات الطرفين، فتفوق قوات النظام وقدراته العسكرية الهائلة بالقياس إلى قوات الثوار أمر لا يحتاج إلى بيان. كما بلغ عدد اللاجئين السوريين إلى الدول المجاورة نحو 362 ألف لاجئ، معظمهم في تركيا والأردن، وتتوقع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن يرتفع عدد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 700 ألف بنهاية عام 2012م. كما قصفت القوات المسلحة التركية مرات عدة مواقع عسكرية داخل سورية ردًّا على قيام قوات الأسد بإطلاق النار تجاه مواقع داخل تركيا ووقوع ضحايا في صفوف المدنيين الأتراك، وأفادت تقارير إعلامية أن تركيا قد تقدم طلبًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لنشر صواريخ (باتريوت) على الأراضي التركية تحسبًا لزيادة الاشتباكات في سورية، وانتقالها إلى المناطق القريبة من الحدود التركية - السورية. ويخشى مراقبون أن يتحول الصراع في سورية إلى حرب إقليمية إذا ازداد تفاقمًا.
وسواء اعتبرنا النزاع المسلح الدائر في سورية أنه نزاع داخلي أو نزاع دولي، فإنه طبقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني يجب تطبيق هذا القانون على جميع المنازعات المسلحة، سواء أكانت داخلية أم دولية، وتبعًا لذلك فإن ما يجري في سورية يخضع لقواعد الحرب، ومن ثم يجب تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة عام 1949هـ وملاحقها، الأمر الذي يعني وجوب احترام حقوق الإنسان وضرورة حماية المدنيين وحظر استخدام الأسلحة والأساليب العسكرية المحرمة دوليًّا ومحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وقواعد القانوني الدولي الإنساني.
ولا ريب أن ما ارتكبه ويرتكبه نظام بشار الأسد من مذابح ومجازر وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا بد أن يتدخل المجتمع الدولي بقوة لوضع حد لهذه الجرائم البشعة ومحاكمة المسؤولين عن ارتكابها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي