هل فعلا ترفض الصين العقوبات الاقتصادية على إيران

أعلن أخيرا عن حزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على إيران والتي تشمل حظر استيراد النفط والمنتجات البتروكيماوية والكيماوية إلى الداخل الأوروبي، وكذلك حظر شرائه من قبل الشركات الأوروبية بغرض بيعها لطرف ثالث، وحظر تقديم التغطية التأمينية لكل شحنات النفط والغاز والمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية، وحظر تقديم القروض المصرفية للقطاعات السابقة، وكذلك حظر الاستثمار فيها وحظر بيع التقنية لها. كما تشمل العقوبات حظر بيع أو شراء الذهب والمعادن الثمينة والألماس للحكومة الإيرانية ومصرفها المركزي وكذلك حظر بيع أو شراء أي ورقة نقدية أو معدنية من أو إلى الحكومة الإيرانية أو أي طرف مرتبط بها. كما أن العقوبات تمنع مصارف الاتحاد الأوروبي من أي القيام بأي عملية مصرفية مع كل البنوك الإيرانية، إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة من السلطات الأوروبية المعنية على أن تكون كل العمليات لأهداف إنسانية بحتة. وتشكل هذه العقوبات ضربة قوية للحكومة الإيرانية، ذلك أن الاتحاد الأوروبي كان إلى لحظة تفعيل العقوبات يستورد 20 في المائة من صادرات إيران النفطية. كما أن شركات التأمين الأوروبيه كانت (إلى لحظة فرض العقوبات الجديدة) تغطي نحو 90 في المائة من إجمالي مخاطر الشحنات النفطية الإيرانية. وسرعان ما استنكرت وأعلنت الصين رفضها للعقوبات الأوروبية المفروضة على إيران، ولكن على أرض الواقع وعند حساب المصالح نجد أن الصين أكبر المستفيدين من مثل هذه العقوبات وهي أكبر الفرحين بها.
الصين أكبر المستوردين للنفط الإيراني، ومنع شركات الاتحاد الأوروبي من استيراد النفط الإيراني سيعطي الشركات الصينية ميزة تفاوضية سعرية يطمحون ويسعون إليها، و في رأيي الشخصي أن تشجيع الصين لإيران على التعنت والعناد ليس إلا لتحقيق مثل هذه الفوائد الاقتصادية وغيرها من الفوائد السياسية الأخرى. كما أن العقوبات تأتي بمثابة الحلم الذي تحول إلى حقيقة لكل المصارف وشركات التأمين الصينية التي بإمكانها الآن رفع رسوم الخدمات المصرفية والتأمينية على كل ما هو إيراني أضعافا مضاعفة دون أن تمتلك حكومة ومصارف إيران القدرة على التفاوض لما هو في مصلحتها. كما أن منع استيراد المنتجات البتروكيماوية الإيرانية يفتح أسواقا جديدة لشركات الصين البتروكيماوية والكيماوية، والتي ستجد أن كثيرا من المستوردين لهذه المنتجات الإيرانية سابقا يتوجهون إليها، حتى شركات التعدين الصينية أيضا (والتي تمتلك حكومة الصين غالبية أسهمها) ستشهد نموا في قاعدة عملائها، ذلك أن بيع وشراء المعادن الثمينة جزء لا يتجزأ من هذه العقوبات المفروضة على الحكومة الإيرانية. أما روسيا هي الأخرى، فتجني ثمار الحصار على إيران من خلال العراق، الذي وقعت هي الأخرى صفقة أسلحة مع روسيا، والتي لا أشك ولو للحظة أنها تمت بالنيابة عن ملالي النظام الإيراني وحرسهم الجمهوري لتحقيق غايتهم الشيطانية في المنطقة.
الحقيقه مفادها أن إيران ليست إلا دمية في يد الصين وروسيا لتحقيق أهداف ومصالح اقتصادية وسياسية، وستظل هاتان الدولتان تدفعان الملالي في طهران إلى التعنت والعناد لتحقيق العزلة الدولية التي تستطيع هاتان الدولتان من خلالها الاستفراد بنفط وغاز وعقود المشاريع الإيرانية وعقود التسليح كذلك. كما أن زيادة التعاملات المالية والتجارية والعسكرية مع الصين وروسيا تحقق أهداف الملالي والقائمين على الحكم في طهران في الثراء الفاحش. فطلب الرشوة من الشركات الأوروبية والشركات الأمريكية والغربيه بصفة عامة لم يعد ممكنا، ذلك أن قوانين الدول الغربية تمنع القيام بمثل هذه الممارسات حتى خارج دولها، وما سلسلة الفضائح والتحقيقات التي تجريها عدد من الدول الغربية مع الشركات والمصارف لديها بسبب ممارسات غير أخلاقيه سابقة وقعت خارج أراضيها، إلا دليل على ذلك.
إن الرفض الصيني والروسي للعقوبات الأوروبية على إيران ليس إلا قناعا يلبسونه لإخفاء فرحتهم العارمة بمثل هذه القرارات الدولية التي تحقق أهدافهم وغايتهم. كما أن خروج ملالي طهران على شاشات التلفاز للتعبير عن سخطهم ورفضهم لمثل هذه القرارات، والتي يدفع الشعب الإيراني ثمنها، ليس إلا غطاء يحجب سعادتهم وترحيبهم بالارتماء في أحضان روسيا والصين لتحقيق الثراء الفاحش من خلال منظومة الفساد القائمة على الرشا والعمولات مقابل العقود والتي لا تمانع بها الصين وروسيا أبدا، ذلك أنها ليست إلا جزءا من نسيجها السياسي والاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي