نريد أن نشاهد البحوث العلمية مخترعات تفيد
من أهم الأدوات التي تستخدمها الدول الأكثر تقدمًا في العالم للمحافظة على تميزها وريادتها في القطاعات كافة، هو تخصيص ميزانيات كبيرة بهدف دعم البحث العلمي، وتوفير الأرضية والبيئة المناسبة لنموه. العالم العربي بطبيعة الحال، بعيد عن هذا المجال كليًّا فالدول العربية مجتمعة خصصت ما يقدر بنحو 1.7 مليار فقط للبحث العلمي، بينما إسرائيل تصرف على هذا المجال نحو 9.8 مليار، غير الأبحاث العسكرية. غني عن القول إن كثيرًا من الدول العربية تفتقر إلى رؤية واضحة وسياسات وخطط تستهدف الاهتمام بالنواحي العلمية والتكنولوجية، وأثرها في التنمية والحركة الاقتصادية، فهي لم تخصص حتى صناديق لتمويل الأبحاث والتطوير. الوضع لدينا في المملكة مختلف كليًّا وبعيد عن هذه الصورة القاتمة، وبطبيعة الحال أن هذا التغيير جاء نتيجة طبيعية للاهتمام الحكومي بالتنمية العلمية للمجتمع وتصميم برامج تستهدف أن يكون التعليم نوعيًّا ومتميزًا، ومنها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ثم التوسع في افتتاح المزيد من الجامعات في مختلف مناطق ومدن المملكة، تبعًا لهذه الحالة الفريدة في التوجه نحو الارتقاء في النواحي العلمية تم تخصيص ميزانيات ضخمة لمراكز الأبحاث، وتبعًا لهذا زادت مخصصات البحث العلمي حتى وصلت لأكثر من مليار ريال خلال عامين، أما في الماضي فلم يتجاوز ما تم صرفه خلال ثلاثين عامًا على البحث العلمي في المملكة سبع مائة وخمسين مليون ريال. وهذا يوضح عِظَمَ التحول والرؤية الثاقبة والمعرفة أيضًا لما للبحث من أهمية في تطور المجتمعات ورقيها. وأعتقد أننا نسير في هذا الطريق بخطوات حثيثة ومتميزة وواضحة المعالم، وهناك تقديرات أن تتجاوز المملكة حتى الدول المتقدمة في هذا المضمار، وستكون النتائج مثمرة وإيجابية خلال السنوات القليلة القادمة. في أمريكا وأوروبا جميعنا يعلم أن هناك جانبًا مهمًّا يقوم به القطاع الخاص، وأقصد به الشركات في مجال التطوير والدراسات، لذا هي تخصص بعض مواردها وأرباحها للصرف على البحوث والدراسات العلمية، هذا الدور للقطاع الخاص في المملكة غائب تمامًا، بل بعيد عن هذا المضمار، فهو لا يقدم أي جهد من شأنه أن يفيد المجتمع من خلال دعم البحوث العلمية، كما أن شركات القطاع الخاص لا تقوم بأي اتفاقيات مع المراكز البحثية في الجامعات السعودية، لبناء تعاون يرتد بفوائده على هذا الوطن العزيز. وحتى إن وجدت فهي حالات فردية، ولا يمكن أن تلغي هذا القصور من القطاع الخاص. كما أن هناك جانبًا لا يقل أهمية في هذا السياق يتعلق بالبحوث العلمية نفسها، وأين مصيرها، وإذا كانت هناك خطط للاستفادة منها وتفعيلها لتتحول من الورق إلى مخترعات وأدوات ووسائل يستفاد منها، بل يتم استثمارها، فتعود بالفائدة على الفريق البحثي والجهة التي قامت برعايتهم وعلى الناس.. إننا نتطلع إلى أن يتم العمل بجانب تنمية وتشجيع البحث العلمي أن نشاهد ونلمس بحوثًا باتت واقعًا في حياتنا حتى يشعر الناس بالفائدة الكبيرة، وإن كنت أعلم أن هناك بحوثًا علمية في مجالات علمية حيوية ومهمة كالطب، خرجت كمخترعات كان لها مردودًا إيجابيًّا على المرضى، وهناك تجربة قادها جراح القلب السعودي الدكتور محمد الفقيه، عندما أسس شركة في أمريكا لاستثمار نتائج البحوث ومنها بحثه لجهاز تنظيم نبضات القلب. أمام هذا الدعم والاهتمام نتطلع أن تبادر الجهات العلمية ومراكز الأبحاث إلى إصدار تقارير دورية توضح خلالها أهم الأبحاث التي تعمل عليها، وأيضًا تلك الأبحاث التي انتهت وأعلن عنها والكيفية التي يمكن الاستفادة منها. أكاد أجزم أن هناك مئات المئات من الأبحاث التي تعتبر ثروة بكل ما تعني الكلمة، موجودة في رفوف المكتبات أو في المستودعات ملقاة منذ سنوات مضت، وفي أتون هذه الأبحاث أفكار واكتشافات أجزم أنها في غاية من الأهمية، فلم لا نراجعها ونستخرج ما فيها من معارف ونتائج.. كما أود أن نركز على الجانب الإداري لمراكز الأبحاث، فهو (الدينمو) للاستقطاب أو التغيير واستغلال الأفكار الموهوبة استغلالاً أمثل والحد من هجرتها.