السيدة الفرنسية ونصيحتها للسعودية

على الرغم من كل التقارير العالمية المحذرة للاستهلاك المتنامي للطاقة في السعودية، إلا أن الأمور، كما يبدو، لا تزال في اتجاه استمرار توجيه الدعم غير الذكي، ولن أقول كلمة أخرى! لثمانية وعشرين مليون نسمة يقطنون البلاد، تسعة ملايين منهم غير سعوديين. حتى كدنا نصدق أن اقتصادنا يسير في الطريق الصحيح، ولا أضرار عليه من سياسة الدعم هذه، وكل تلك التحذيرات ما هي إلا زوبعة في فنجان. لكن السيدة الفرنسية، الأنيقة دوماً، وأعني كريستيان لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي، كان لها رأي مختلف ومغاير للاستراتيجية السعودية، فقد صرحت لـ "الاقتصادية"، وهي على أرضنا وبين جمهورنا، للزميل النشط محمد البيشي، بأنه ينبغي مراجعة آلية دعم أسعار الطاقة، مؤكدة أنه الطريق الذي يمكن للسعودية أن تلجأ إليه للسيطرة على حجم الاستهلاك الداخلي من الطاقة، ولعل الأهم في تصريح السيدة لاجارد قولها "مع الحرص على أن تتم إعادة هيكلة برامج الدعم بحيث لا يستفيد منها أصحاب الدخول الثابتة، أو الأشخاص والجهات الذين هم ليسوا بالفعل بحاجة لأي دعم".
لعل جل المراقبين يعون أن نصيحة السيدة لاجارد للسعوديين ليست بالمفاجأة، فهي إحدى بديهيات أي اقتصاد في العالم، إلا أن أهميتها أتت في الوقت الذي نرى فيه سعيا لنفي كل التقارير التي تشير إلى الأضرار الجمة التي تعصف بالاحتياطيات النفطية وحرقها في الهواء بلا مقابل، خاصة مع تزايد الإنفاق الحكومي الذي يعمل على زيادة استهلاك الطاقة بشكل كبير. ونتذكر تصريحاً سابقاً لخالد الفالح رئيس شركة أرامكو توقع فيه زيادة الطلب المحلي على الطاقة من ٣٫٤ مليون برميل معادل للنفط يومياً في ٢٠١٠م، إلى نحو ٨٫٣ مليون برميل نفط بحلول عام ٢٠٢٨م، وحتى لو افترضنا جدلاً الانتهاء من الاستثمارات العملاقة في الغاز لزيادة القدرة الإنتاجية والتكريرية من الغاز الطبيعي والمسال واستخدامه بدلاً من النفط، ستبقى هذه المشكلة العويصة تهدد احتياطيات الأجيال القادمة.
في ظل شح الغاز وعدم كفايته للاستهلاك المحلي، وعدم قناعة المسؤولين باستيراد الغاز من أجل تعويض الحاجة الفعلية، سيبقى الحل في حرق النفط الخام لتلبية احتياجات الطاقة الكهربائية المحلية، إضافة إلى تحويل كميات أكبر من الوقود للاستهلاك المحلي، وفي ظل أن جهودا من تطوير مصادر طاقة متجددة لا يتوقع لها أن تثمر قبل العقد المقبل، فإن النفط السعودي يقترب من النقطة التي يتقاطع عندها الاستهلاك المحلي مع الصادرات. ولابد من ملاحظة أنه كلما ارتفعت أسعار النفط، ارتفعت تكلفة الوقود الذي يحرق محلياً ويذهب إلى غير مستحقيه بأسعار أقل ما يقال عنها إنها زهيدة، ألسنا ثاني أقل دولة في العالم تبيع الوقود؟
وزارة التخطيط تتحفنا عاماً بعد آخر بخطط استراتيجية خمسية تبشرنا بتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، حتى الآن من الواضح أن هذه الخطط حبر على ورق، نقرؤها ونعجب بها أيما إعجاب، فإذا نظرنا للواقع، وجدنا أننا بعيدون سنوات ضوئية عن هذا الحلم. مع الأسف لا تزال وزارتنا الموقرة في برج عاجي تعتقد أنه لا يحق للمواطن أن يعلم حقيقة مستقبل النفط في ظل الاستهلاك المحلي المتزايد. ألا يستحق المواطن توضيح الحقيقة الغائبة بين تحذيرات دولية مستمرة، وتأكيدات لأكبر مسؤول في صندوق النقد الدولي، وبين صمت (تخطيطي) عجيب، وكأن القضية لا تعني المواطنين ولا يحق لهم أصلاً القلق مما يحمله المستقبل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي