العرب بين المؤامرات الإيرانية والتواطؤ المصرفي الغربي
ننتظر جميعا ما ستفسر عنه نتائج التحقيقات في واشنطن ونيويورك مع عدد من المصارف الغربية الكبرى ذات التواجد الدولي وأرجو ألا (يتمخض الجبل ويلد فأرا). وأقول: مصارف كبرى، لأن موجودات كل مصرف منها على حده تقدر بتريليونات الدولارات، كما أن انتشارها الجغرافي يكاد يغطي معظم دول العالم. إن نتائج التحقيقات الأولية وتسريبات المحادثات الداخلية لهذه المصارف الغربية (معظمها بريطاني الجنسية) تشير وبكل وضوح إلى أن قرار التغطية على عمليات إيران المالية اتخذ رغم كل القرارات الدولية بشأن ذلك، ورغم تحذيرات مسؤولين كبار في هذه المصارف لرؤسائهم بخطورة ما يقومون به. بل وحتى تغطية مصرف إتش إس بي سي على عمليات تجار المخدرات في المكسيك تمت بعلم وفهم من أعلى التنفيذيين في البنك، وإلا فكيف يفسر مصرف إتش إس بي سي قيامه بفتح فروع في أحياء لا تخضع لحماية الشرطة لخطورتها ولانتشار العصابات بها، التي قامت بإغلاقها مؤخرا بعد افتضاح أمرها، (ولم يعد يخفى على أحد أن الحكومة الإيرانية وجهازها الاستخباري القذر يعتبران من اللاعبين الأساسيين في ملعب سوق المخدرات)، وهذا يجعل مسؤولي هذه المصارف المنغمسة في الانحطاط شريكة ومساعدة للحكومة الإيرانية وتجار المخدرات في جميع أعمالهم القذرة والمخربة.
وتعلم إيران أن في كل أمة ودولة خونة، وتعلم إيران أيضا أن هؤلاء لا يمكن لهم مقاومة المال، فأغرقتهم به، وبتغطية من بعض المصارف الغربية الكبرى الطامعة هي الأخرى بنصيبها من هذا المال القذر. فما كان من هؤلاء العملاء سوى تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة، بعضها باء بالفشل وآخر نجح في إحداث الفوضى وللأسف الشديد. فهذه لبنان التي تعاني من الدمار والقتل والتفجير والخطف على الهوية، التي يعلن بعض اللبنانيين فيها جهارا نهارا أنهم يتلقون دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا إيرانيا، وتجدهم يقبلون رؤوس وأيدي الملالي الإيرانيون ويرفعون صورهم ويسبحون بحمدهم أيضا. وهؤلاء ينفذون استراتيجية حكومة إيران التي تريد للبنان الخراب والدمار والجهل، لأن إيران تعلم جيدا أن أجندتها لا يمكن أن تسوق في بلد متقدم ومتطور ومستنير بالمعرفة والعلم، كما تعلم إيران جيدا أن العمل على إفقار لبنان سيسهل لها شراء ذمم أشرار القوم وبمساعدة وتغطية من بعض المصارف الغربية التي لا تقل رذالة وانحطاطا. ووكلاء البضاعة الإيرانية في لبنان يبرعون في تسويق بضاعتهم القائمة على نشر الخوف والقتل والمخدرات، وهم فقهاء وعلماء في علم غسل الأموال الظلامي الأسود، كما أنهم خبراء في كل ما يتعلق بالتهريب والتضليل. ويتوعدون في كل اجتماع لهم وعلى شاشات التلفاز دول الخليج العربي بالدمار، ويعلنون سعيهم نحو الفتنة فيها، إلا أن حنكة القيادة وقوة وإخلاص الرجال أفشلت كل ما يمكرون به والحمد لله.
وفي المغرب سعت إيران إلى التآمر بطرقها المعهودة والمعروفة وعن طريق سفارتها إلى بث روح التفرقة وإشعال فتيل الفتنة وتغيير مذهب المغرب عن طريق تمويل وشراء ذمم بعض الأشرار في المغرب، الذين سعوا إلى ''الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي'' كما جاء في بيان الخارجية المغربية. وكل ذلك تم بتغطية مالية من بعض المصارف الغربية التي تستحق أشد العقوبات نتاج ما قامت به. فما كان من ملك المغرب إلا أن طرد سفيرهم وقطع العلاقة بهم، وخيرا فعل. وسوء أعمال حكومة إيران وأموالها القذرة امتدت حتى إلى مصر. فالمال الإيراني سهّل عملية هروب أحد معتقلي حزب الله في السجون المصرية الذي كان يسعى للتخريب والتجنيد وغيرها من الأعمال السيئة التي يبرع بها عملاء إيران، وبتغطية من بعض المصارف الغربية الكبرى التي لا ترى ضيرا من التربح من وراء إيران وعلى حساب أمن الشعوب. أما في سورية ومآسيها التي نسأل الله أن يعجّل بنهايتها، فالمال الإيراني والسلاح الإيراني يمول حرب بشار الأسد ضد هذا الشعب المسكين والمقهور والأعزل والمستبَد به، الذي عانى لأكثر من أربعين عاما أبسط الحقوق الإنسانية.
الحقيقة مفادها أن الشركات الإيرانية هدفها التنمية والتربح، والسفارات الإيرانية هدفها تعزيز العلاقات بين الدول وتسهيل مصالح مواطنيها في العالم، كلها مجرد واجهات مكشوفة في يد الساسة وشياطين الاستخبارات الإيرانيين، الذين لن يهدأ لهم بال إلا بعد أن تتحول المنطقة إلى خراب و دمار شامل. حتى يتأنى لهم بسط نفوذهم وسيطرتهم التي يتخيلونها في عقولهم المريضة، التي ساهم في أوهامهم تلك تعاون وتواطؤ مجموعة من المصارف الغربية معهم، التي توهمت هي الأخرى أن مستقبلها التجاري سيكون أكثر إشراقا وأن بإمكانهم الفرار بفعلتهم الجبانة المخالفة لأبسط الأعراف التجارية والمصرفية بل وحتى الإنسانية. إن ما قامت به بعض المصارف الغربية الكبرى من إضفاء الشرعية والتغطية القانونية على حركة الأموال الإيرانية التي تعيث فسادا في نفوس البشر وأوطانهم، وصمة عار في تاريخ الصناعة المصرفية الغربية، وعلى جهات التحقيق والقضاء في الغرب ملاحقة المتسببين بها، ومعاقبتهم بما يردع ويؤسس مستقبلا مصرفيا خاليا من كل المجرمين الذين لا ضمير ولا أخلاق ولا إنسانية بهم. فليس العرب وحدهم من تضرروا من إرهاب إيران، بل حتى الشعوب الغربية كذلك، وتلك مأساة أخرى يطول شرحها وسأعود لها فيما بعد إن شاء الله.