الريال الإيراني.. الموت عناداً

لم يكن الأمر في حاجة إلى اعتراف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، بأن الوضع الاقتصادي في بلاده يتدهور، وأن قيمة العملة الوطنية تتآكل بصورة كبيرة، بل مفجعة. الكل يعلم هذه الحقائق، وفي مقدمتهم الشعب الإيراني نفسه. واعتراف نجاد العلني، جاء في الواقع ليقلل من حدة النقمة الشعبية، على القيادة الإيرانية (ولا سيما الدينية)، الناجمة عن سياسة إنكار (دامت أكثر من عام) لما يحدث للاقتصاد الوطني. ولأن الاعتراف الرئاسي يحتاج إلى "مُلطف" ما، فقد كان ضروريا لنجاد، أن يربط بين وضعية الاقتصاد المتدهور، بـ "الحرب الاقتصادية" على بلاده. لقد أثبت مرة أخرى، على أن النظام الإيراني، لا يمكنه الاستمرار، إلا باستحداث أشكال متنوعة من الأعداء. فكان لا بد له من ترديد "النشيد" الضروري في هذه الحال، وهو "لسنا شعباً يتراجع في المسألة النووية". لكن، كم يبلغ حالياً، عدد الإيرانيين المستعدين لسماع "النشيد"؟
لم تعد مادة الخبر الاقتصادي في إيران، تدور حول تراجع قيمة الريال، بل متى ينزلق إلى الهاوية؟ وإلى أي مدى تستطيع حكومة نجاد الصمود في ترقيع غطاء ركن أساسي من أركان السيادة الوطنية؟ وهذا يفرز سؤالاً آخر. هل ستتحلى القيادة الإيرانية يوماً بالحكمة، وتزيل الأسباب التي أدت إلى تراجع تاريخي خطير ومخيف لعملتها؟ مع ضرورة الانتباه هنا، إلى أن نظام علي خامنئي يحمّل الغرب المسؤولية، بينما يقوم الشعب الإيراني بوضع المسؤولية على كاهل النظام، ولا سيما بعدما وصل الوضع المعيشي في البلاد إلى مراحل لا تحتمل. غلاء، نقص في المواد الغذائية، بطالة، فقر، جوع، إلى آخر العناصر التي تشكل المصيبة الاجتماعية المعيشية.
خسر الريال الإيراني منذ عام تقريباً قرابة 80 في المائة من قيمته، أو ما يوازي 6 في المائة شهرياً. وفي يوم واحد (هذا الأسبوع) تراجع 17 في المائة. ولا تبدو في الأفق أي علامة على توقف التراجع، على الرغم من تدخل لا يتوقف من قِبل الحكومة من أجل سند العملة، ليس لحمايتها، بل للتقليل من حجم التراجع. هذا الخراب المتسارع، يصاحبه تحرُّك بريطاني فرنسي ألماني، من أجل إطلاق موجة جديدة من العقوبات على إيران، التي فشلت بكل الصور، في التوصل إلى تفاهم ما حول برنامجها النووي. وفي غضون أيام، ستدخل الموجة الجديدة حيز التنفيذ، بعدما اقتنع الأوروبيون (ومعهم الأمريكيون)، بأنه لا أمل يُرجى من حوار حول البرنامج النووي. بل إن مسؤولين بريطانيين اعتبروا أن الحراك التفاوضي بشأن هذا البرنامج، بات مضيعة للوقت بالنسبة لهم، ومكسباً بالنسبة للنظام الإيراني.
لا تراجع عن العقوبات، بل هناك سعي متواصل إلى تطويرها وإحكامها، بما في ذلك ملاحقة أي جهة توفر لنظام خامنئي أدوات للاحتيال على هذه العقوبات. وهذا يعني أن حدة الامتعاض في أوساط الشعب الإيراني سترتفع كل يوم. فالتراجع الخطير للريال، أجبر المواطن على التخلي عن بعض الأساسيات المعيشية. وعندما يحاول نجاد "تلطيف" اعترافه بمصيبة العملة، بتمرير جملة "أن هناك حربا نفسية في سوق الصرف". فهو يضيف خطأ جديداً إلى أخطائه اللامحدودة. فما يجري على صعيد العملية ليست حرباً نفسية، وهو (والجميع) يعرف، أن تصدير النفط، يوفر عوائد للخزانة العامة من القطاع الأجنبي تصل إلى 80 في المائة، بينما يبحث عن مشتر لشحنة هنا وهناك، في حين أنه عاجز حتى عن القيام بتعاملات مصرفية عادية، فكيف الحال بعوائد نفطية، بصرف النظر عن طريقة البيع وكميات النفط المباع احتيالاً.
إن ما تشهده إيران مصيبة اقتصادية متصاعدة، ليست بسبب العقوبات، بل من جرّاء عناد نظام، قرر منذ البداية أن يصنع الأعداء في الخارج، ولا يريد أن يعترف بأن صناعة الأعداء تجري في الداخل أيضاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي