من يعشقك يا وطن
عندما نكون في بلد يخاطب ملكه أبناء شعبه قائلاً: ''ما أنا إلا منكم وأنا خادم لكم، خادم للصغير، خادم للكبير''. عندما يُشهد خادم الحرمين التاريخ بأن مواطنيه كانوا، بعد الله، ''صمام الأمان لوحدة هذا الوطن''، وأنهم صفعوا ''الباطل بالحق والخيانة بالولاء''. عندما نعيش في بلد أصبح وطناً موحداً لم تعصف به الرياح العاتية التي مرت على المنطقة كثيراً؛ نعلم جيداً ونطمئن أن وطننا راسخ رسوخ الجبال طالما كان حكامه من شعبه ولم ينفصلوا عنه يوماً واحداً، وهو ما أسس لقاعدة شعبية صلبة للحكم امتدت منذ عهد الملك عبد العزيز موحد البلاد واستمرت إلى يومنا هذا.
لا خلاف على أن السعودية، وهي تحتفل بيومها الوطني الثاني والثمانين، تعايش فترة مخاض قاسية، قياساً بالأحداث الجارية في المنطقة العربية، وهو ما حذر منه نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمس، عندما قال إن ''ما تمر به بعض أجزاء المنطقة من فتن وقلاقل يدعونا جميعاً إلى مزيد من الحذر والحرص على الأمن والاستقرار الذي هو منطق كل تنمية وتطور''، ومع ذلك فقد استطاعت السعودية تجاوز هذا المخاض بشكل كبير، ورغم محاولات البعض، من السعوديين - مع الأسف، لأن يمر الربيع العربي من هنا، إلا أن القاعدة الشعبية الواسعة كانت هي صمام الأمان الحقيقي لصد أي محاولات للفوضى واختراق المجتمع من أي طرف كان.
على مر التاريخ، كان التعريف الأشد صعوبة: ما الوطن؟ هناك من يختلف في تعريفه، وهذا أمر طبيعي، وبعض آخر لا يجد إلا الخلاف حلاً يلتجئ إليه، وبعض ثالث يختزل مفهوم الوطن في سلطته التنفيذية والمؤسسات التابعة لها، فإذا أخطأت هذه المؤسسات، وهذا أمر وارد وشائع، عُمم هذا الخطأ بكامله على الدولة. الخلط بين الدولة والحكومة أصبح أمراً شائعاً، ومحزناً، لا يفرقون بين هيبة الدولة التي الدفاع عنها أمر حتمي وواجب، وبين مؤسساتها التي انتقادها وتصحيح مسارها أمر واجب أيضاً.
كتبت تغريدة قبل أيام على موقع تويتر، قلت فيها ''نتذكر دائماً وأبداً حقنا على الوطن.. وننسى حقوقه علينا''، وكم كانت بعض ردود الأفعال صاعقة ومحبطة، فهذا البعض من التعليقات يعتبر أن القيام بحق الوطن مشروط بما يقدم له، وكأن القضية مساومة بين طرفين، بقدر ما تعطيني بقدر ما أقدم لك. هناك من اختزل الوطن في مشروع متعثر، وهناك من اختزله في فساد هنا أو هناك، وثالث مستعد للدفاع حتى عن ''العدو''، طالما أنه ضد الوطن، ورابع لا يرى إلا أطناناً من السلبيات لا تقابلها إيجابية واحدة، حتى غدا وطننا أسوأ الأوطان في الدنيا .. رحماك يا رب.
من حق المواطن على وطنه أن يتطلع إلى تحقيق كل أحلامه وأمانيه، ومن حقه أيضا، خاصة وهو يؤدي واجباته كاملة، أن تقابله الدولة بما يستحقه كمواطن سعودي انتمى لهذه الأرض، أينما ولد وأينما عاش. حقوق الوطن على أبنائه لا تنفصل عن حقوق المواطن على وطنه.. هذه المعادلة العادلة لبناء الأوطان في كل مكان وزمان.