حتى تكون أموال المانحين لليمن مجدية تنموياً

احتضنت العاصمة السعودية، الرياض فعاليات مؤتمر المانحين لليمن، خلال الفترة 4 - 5 أيلول (سبتمبر) الجاري، الذي تعهدت فيه 14 دولة بتقديم مبالغ تناهز 6.4 مليار دولار من أصل 12 مليار دولار جملة متطلبات تنموية ملحة، يحتاج إليها اليمن خلال السنوات القليلة القادمة على المدى القصير والمديين المتوسط والطويل، لإعادة إنعاش اقتصاده المنهك ومجالات تنموية متعددة لحق بها تدمير وتخريب خلال المرحلة السياسية الانتقالية التي شهدتها البلاد أخيراً.
جدير بالذكر أن المبلغ، الذي تعهدت بتقديمه الدول المانحة لليمن خلال المؤتمر المذكور، يتضمن مبلغ أربعة مليارات دولار، سبق أن تم الإعلان عنها خلال اجتماع "أصدقاء اليمن"، الذي استضافته السعودية في نهاية أيار (مايو) الماضي، من بينها 3.25 مليار دولار تعهدت بتقديمها المملكة العربية السعودية.
البيان الصادر عن الرئاسة المشتركة لاجتماع المانحين، الذي عقد في الرياض أخيراً، أكد التزام الدول المانحة بدعم جهود حكومة الوفاق الوطني في تحقيق السلام والاستقرار والرخاء في اليمن، ولا سيما أن اليمن وشعبه يعاني في الوقت الراهن شتى أنواع الصعوبات التنموية نتيجة للأحداث السياسية الأخيرة التي حلت بالبلاد. حيث على سبيل المثال لا الحصر، يعيش اليوم نحو نصف سكان اليمن قرابة 10.5 مليون تحت خط الفقر (أقل من دولارين في اليوم)، ويوجد في اليمن نحو مليون شخص نازح (200 ألف يمني و800 ألف غير يمني) نتيجة للأحداث، كما أن نحو 20 ألف يمني يموتون سنوياً نتيجة لتفشي مرض الملاريا في البلاد.
من بين الاشتراطات التي ربطت بها الدول المانحة تقديم مساعداتها لليمن، التزام حكومة الوفاق الوطني بتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد، من خلال الالتزام بتطبيق مبادرة مجلس التعاون الخليجي الموقعة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، والبرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية الذي ينسجم تماماً مع أهداف المبادرة. كما أكد المانحون على ضرورة اهتمام حكومة الوفاق الوطني اليمنية وتركيزها على أولويات البرنامج المرحلي والمصفوفة الملخصة للموارد (2012 - 2014)، التي أعدت من قبل الحكومة اليمنية الانتقالية، والتي حددت الأولويات قصيرة ومتوسطة الأجل وآليات التمويل المطلوبة.
في ظل الحاجات التنموية الملحة لليمن، فإن الأمر يتطلب من الدول المانحة سرعة تنفيذ تعهداتها المالية، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تعيشها البلاد، مما يفرض على الحكومة الانتقالية الوفاء بالتزاماتها الإصلاحية (الاقتصادية والاجتماعية) قبل انتهاء الفترة المحددة لتلك الحكومة (نحو عام ونصف العام)، مما سيشجع ويطمئن المانحين على سلامة البرنامج الإصلاحي الذي تنتهجه الحكومة الانتقالية، وجدية التنفيذ.
جدير بالذكر أن الاحتياجات الإنسانية العاجلة والضرورية، التي يحتاج إليها اليمن، تم تصنيفها خارج الاحتياجات التنموية لليمن، التي تقدر بنحو 450 مليون دولار أمريكي (تم الوفاء بنحو 200 مليون دولار منها في وقت سابق)، حيث أكد المانحون على إعطاء اهتمام خاص للاحتياجات الإنسانية العاجلة، في حين سيعقد مؤتمر آخر للمانحين بعد نجاح المرحلة الانتقالية لتمويل احتياجات التنمية متوسطة وطويلة المدى. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه ضمن الإطار المشترك للمسؤوليات المتبادلة والإصلاحات السياسية المطلوب تنفيذها من قبل حكومة الوفاق الوطني، التزام المانحين باحترام ملكية الحكومة اليمنية وتقديم الدعم اللازم لها لتعزيز قدراتها في هذا الشأن.
في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإنسانية الراهنة الحرجة، التي يعيشها اليمن وشعبه، هناك مسؤوليات مشتركة من قبل الطرفين (حكومة الوفاق الوطني اليمنية والدول المانحة) يجب الالتزام بتنفيذها في أوقاتها المحددة.
من بين مسؤوليات حكومة الوفاق الوطني اليمنية، التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي، بما يحقق التعافي المبكر والتنمية طويلة الأجل لليمن وشعبه، إضافة إلى ضمان الاستقرار للاقتصاد الكلي باحتواء عجز الموازنة والمحافظة على مستويات كافية من الاحتياطيات الخارجية، ولا سيما في ظل الوديعة (مليار دولار أمريكي)، التي تعهدت بها الحكومة السعودية بإيداعها في البنك المركزي اليمني لتقوية الريال اليمني. من بين مسؤوليات حكومة الوفاق الوطني أيضاً، العمل الجاد على مواصلة محاربة الفساد، وتطوير آليات الشفافية وتحسين القدرات الاستيعابية للمنح والمساعدات والقروض، بما ينعكس على إحداث التغيير المنشود والتنمية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة، التي تحقق تطلعات الشعب اليمني.
مسؤوليات الدول المانحة تتمثل في الالتزام بتقديم المساعدات، سواء تلك التي في شكل منح أو قروض في أوقاتها المحددة، والتي سيكشف عن الالتزام النهائي بها خلال الاجتماع القادم لأصدقاء اليمن، الذي سيعقد في ولاية نيويورك في الولايات المتحدة في تاريخ 27 من الشهر الجاري، حيث إن بعض الدول المانحة، نتيجة لإجراءاتها التشريعية والبرلمانية تحتاج للرجوع إلى حكوماتها لأخذ الموافقات النهائية على مبالغ المساعدات والمنح التي أقرتها في المؤتمر الأخير الذي عقد في الرياض. كما أن هناك ضرورة لأن تقوم الدول المانحة بتقديم الدعم الفني واللوجستي للحكومة اليمينية لتنفيذ برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي دون الإخلال بطبيعة الحال بسيادة الدولة أو الانتقاص منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي