الأنظمة العقارية الجديدة.. لا تتسرعوا في الحكم

أشار الكاتب في صحيفة ''الوطن'' محمد الفال في مقال له بعنوان ''الرهن العقاري.. تطلعات وتساؤلات''، الذي نشر في العدد 4300، إلى أن الحديث في المجتمع السعودي كثر حول نظام الرهن العقاري، الذي وافق عليه مجلس الوزراء السعودي أخيراً، بين مؤمل ومستبشر بمنافعه وخائف ومحذر من مخاطره وآثاره في حياة الناس.
من بين عوامل التوجس المنتشرة بين الناس، وبالتحديد فيما يتعلق بنظام الرهن العقاري، التخوف من ظهور أزمة رهونات عقارية مشابهة لتلك التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف عام 2008، نتيجة ضعف وعي الناس واستيعابهم مفهوم الرهونات العقارية، ما قد يتسبب في توجيهها التوجيه الخاطئ باتجاه السلع الاستهلاكية. الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية، حذر من خلال تصريح نشر له في صحيفة ''الاقتصادية'' في العدد 6841، أفراد المجتمع من توجيه رهوناتهم إلى سلع استهلاكية عوضاً عن توجيهها إلى مشاريع إنتاجية واستثمارية، مشيراً إلى أن بداية تطبيق أنظمة التمويل والرهن العقاري تحتاج الكثير من الوقت للتعلم والتعرف على اللوائح والتأني في الحكم عليها، حتى يعرف الجميع مميزات الأنظمة الجديدة.
هناك توجس آخر يلوح بالأفق نتيجة التطبيق المرتقب لنظام الرهن العقاري، الذي يتمثل في مدى انعكاس تطبيق نظام الرهن العقاري على مستوى أسعار العقارات في المملكة، لا سيما أنه في الوقت الحاضر وقبل تطبيق النظام، كان يعاني أفراد المجتمع ارتفاع أسعار الأراضي بشكل غير مبرر وغير مقبول، الذي كان يقف عائقاً في وجه من يريد أن يمتلك مسكناً خاصاً به، خصوصا أن تكلفة شراء الأرض تمثل اليوم نحو 60 في المائة من إجمالي تكلفة إنشاء المسكن، وبالتالي قد يُحدث تنظيم الرهن العقاري الجديد تضخماً كبيراً في أسعار العقارات، لا سيما أن سوق العقار في المملكة كبقية القطاعات والأنشطة التجارية، يعمل وفق آليات السوق الحر. خبراء في مجال السوق العقاري يقللون من مخاوف ارتفاع أسعار العقارات نتيجة لتطبيق نظام الرهن العقاري، معتمدين في ذلك على أن ارتفاع الأسعار في حال حدوثه سيكون مؤقتاً، لكونه سيحدث في نهاية المطاف نوع من أنواع التوازن بين العرض والطلب على المساكن، وبالذات في حالة الوصول إلى حالة من إشباع الطلب الكلي على المساكن، إضافة إلى دخول شركات وكيانات عملاقة جديدة إلى سوق العقار في المملكة، وتبنيها تطبيق بناء نماذج لوحدات سكنية اقتصادية التكلفة Affordable Homes. كما أن توفير الأنظمة العقارية الجديدة الحماية اللازمة لحقوق المتعاملين في السوق، سيساعد على التقليل من المخاطر، وسيشجع المستثمرين في مجال النشاط العقاري، بما في ذلك الممولين من منح أسعار تمويل تنافسية، لا سيما في ظل فتح المجال أمام منح تراخيص جديدة للشركات المتقدمة على مزاولة نشاط التمويل العقاري غير المصرفي في المملكة، والذي سيتم بموجبه تحديد المعايير التي ستضمن الكفاءة المهنية والتشغيلية لتلك الشركات، من حيث الهيكلة الإدارية ونظم التشغيل والخطط الاستثمارية، وتحديد رأس المال، بما في ذلك الحصة الأجنبية في حال وجودها، والمتطلبات النظامية والمهنية الأخرى.
من بين المخاوف أيضاً، اعتقاد البعض أن جهات التمويل، التي من بينها المصارف التجارية العاملة في المملكة، ستكون من بين أكثر المستفيدين من نظام الرهن العقاري ونشاط التمويل العقاري، باعتبار أن المصارف ستكون المصدر الرئيس للتمويل العقاري، وبالتالي ستحظى بأكثر المنافع. الدكتور سعود جليدان، الكاتب في صحيفة ''الاقتصادية''، أثار تخوفا في مقال نشر له في ''الاقتصادية'' في العدد 6852 بعنوان ''الرهن العقاري ومخاطره''، أن الرهن العقاري في الأمد الطويل، سيقود إلى ارتفاع حجم القروض، التي سيمنحها النظام المصرفي ومؤسسات الإقراض الأخرى، بسبب أن الرهن العقاري سيرفع مستوى انكشاف المصارف ومؤسسات الإقراض الأخرى على المخاطر المرتبطة بالقطاع العقاري، وهذا الانكشاف سيولد مخاطر للقطاعين المصرفي والمالي بوجه عام.
خلاصة القول أن التخوف والتوجس الذي تولد لدى البعض بمجرد صدور الموافقة على الأنظمة العقارية الجديدة، قد لا يكون مبرراً ومقنعاً في الوقت الراهن، وفيه شيء من التسرع في الحكم على جدوى تلك الأنظمة، خصوصا في ظل عدم صدور اللوائح التنفيذية الخاصة بها، وبالتحديد المتعلقة بقطاع التمويل العقاري، وقطاع التمويل غير المصرفي الذي يأتي مكملا للقطاع المصرفي وداعما للتنافسية في سوق الائتمان.
ولكن على الرغم من ذلك، فإنني أتفق تماماً مع من يطالب بضرورة التركيز خلال المرحلة المقبلة على جهود التوعية والتثقيف لأفراد المجتمع بآليات عمل الأنظمة العقارية الجديدة، وإيضاح لهم كيف يمكن تعظيم المنافع المتولدة عنها، وكيف يمكن أيضاً تفادي الوقوع في المحاذير والمخاوف التي أشار إليها عدد من الزملاء الكتاب في الصحف المحلية.
إن الإسراع في وضع الأنظمة والتشريعات المساندة للأنظمة العقارية الجديد، وتفعيلها على أرض الواقع، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، كود البناء السعودي، ونظام التثمين العقاري، والأنظمة التي تحكم آلية عمل وإدارة المزادات العقارية، والآليات الخاصة بإعادة التمويل من خلال الأوراق المالية المغطاة بالرهن العقاري، سيساعد - دون أدنى شك - على قبول عامة الناس الأنظمة العقارية الجديدة والاستفادة من مزاياها وفوائدها المتعددة، وسيعمل أيضاً على إزالة الغموض والتوجس والتخوف الموجود لديهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي