Author

المشاريع الحكومية المتعثرة

|
كثر الحديث عن وجود نسبة كبيرة جداً من مشاريع الدولة متعثرة في جميع المناطق، وهذه المشاريع قد تكون صغيرة أو كبيرة وأصبحت هذه الظاهرة خطيرة، وتأثيرها على التنمية الوطنية واضح. وأصبحت مجالاً للتندر في جميع المجالس والإعلام وأثرت على نفسية المواطنين. ومن هنا كونت عدة لجان حكومية وآخرها بأمر ملكي لمتابعة الموضوع ومعرفة الأسباب وتقديم اقتراحات وحلول للقيادة خلال ستة أشهر، شكلت اللجنة من سبع جهات حكومية لمتابعة تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية، وعلى أن تنهي أعمالها المتعلقة بكل مشروع خلال مدة لا تزيد على شهر وترفع اللجنة تقارير بالنتائج والتوصيات إلى الجهات المختصة. وتتكون اللجنة من ذوي المرتبة الـ15 من كل من وزارة المالية، الاقتصاد والتخطيط وديوان المراقبة العامة، وهيئة الخبراء وهيئة الرقابة والتحقيق والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والأمانة العامة لمجلس الوزراء. ولقد رأيت أن أشارك بالرأي وأن أساهم ولو مساهمة بسيطة في رسم خريطة طريق لحل هذا الملف المعقد لمساعدة اللجان. أولا: إن تشكيلة اللجنة من مسؤولي الدولة وخاصة المرتبة الـ15 تعطي الانطباع بأنها ستعتمد في متابعتها على موظفي المراتب السادسة والسابعة وأيضاً أن معظم أعضائها من أجهزة رقابية فشلت سابقاً في متابعة أعمالها وإلاّ لما وقعنا في هذه المصيبة. وثانيا: كيف يمكن لنا أن نتوصل إلى الحقيقة إذا كانت كل الجهات المتهمة من قبل المقاولين بأنهم سبب التعثر وهم من ستعتمد عليهم اللجنة في الوصول للحقيقة. المطلوب تكوين اللجنة من: 1) ممثلي الدولة (على أن يكونوا من غير الإدارات المالية أو إدارات المشاريع). 2) ممثلي القطاع الخاص من لجان المقاولين في الغرف التجارية ومنها ''أرامكو''. 3) شركات عالمية متخصصة في إدارة المشاريع مثل ''بكتل'' التي أدارت مشروع الجبيل أو ''بارسونز'' التى أدارت ينبع، وشركات أخرى قد تقدمها ''أرامكو'' لخبرتها في إدارة مشاريعها من خلال هذه الشركات. هذه التشكيلة المقترحة ستتمكن من إعداد تقرير عملي وموضوعي للرفع للمقام السامي خلال ستة أشهر. والآن لنبدأ بحل لغز التعثر ليس باقتراح حلول، وهذا أمره متروك للجنة، وإنما بطرح خمسة أسئلة تحتاج إلى إجابات من هذه اللجنة المهمة والمكونة من قادة الجهات الحكومية في أول اجتماعها: السؤال الأول: لماذا لم نسمع قط عن مشاريع متعثرة في ''أرامكو''؟ السؤال الثاني: لماذا لم نسمع قط عن مشاريع متعثرة في الهيئة الملكية للجبيل وينبع؟ السؤال الثالث: لماذا لم نسمع قط عن مشاريع متعثرة عند الأشغال العسكرية التابعة لوزارة الدفاع. السؤال الرابع: لماذا لم تتعثر مشاريع سيول جدة تحت الإشراف المباشر للأمير خالد الفيصل و''أرامكو'' وتنفيذ الشركات السعودية. السؤال الخامس: لماذا لم نسمع قط عن مشاريع متعثرة عند القطاع الخاص وهي أكثر من مشاريع الدولة وأكثر انتشاراً. وكل هذه الجهات ما عدا القطاع الخاص مصدر أموالها حكومي ومن الميزانيات نفسها وتحكمها الأنظمة نفسها تقريباً. بعد الإجابة على هذه الأسئلة ستجد اللجنة أن السبب الرئيس هي الأجهزة الحكومية.. وبعضها من المقاولين وأكثرهم غير سعوديين مثل الصينيين في المدارس والإسكان ومقاولي الباطن وكلهم غير سعوديين برخص هيئة الاستثمار أو متسترين. وعلى اللجنة في هذه الحالة أن تركز على عيوب الجهات الحكومية وأنظمتها وطرق ترسيتها للمشاريع والآن سأتطرق للمشكلات التي تواجهها المشاريع من المقاولين ومنفذي المشاريع وكيفية مواجهتها. إن أهم أسباب نجاح كل الجهات الخمس المذكورة في تنفيذ مشاريعها وتفادي التعثر هو حسن اختيار المقاولين والموافقة المسبقة لأي مقاول أو مورد من الباطن، وكذلك اشتراط هذه الجهات بألا تدفع أي مبالغ للمقاول الرئيس قبل أن يثبت أنه سدد حقوق المقاول من الباطن والموردين للمشروع، إن هذه الجهات تعتبر الموردين والمقاولين من الباطن شركاء رئيسيين للمقاول الرئيس ومن غيرهم سيتعثر المقاول. ومن هنا نأتي لمربط الفرس، كما يقال وهو أهمية التدفقات النقدية للمشروع لجميع الجهات العاملة بالمشروع وليس للمقاول الرئيس فقط، الذي قد يكون له من يسنده في الإدارة نفسها. إن حكومتنا ترصد المبالغ للمشاريع ووزارة المالية تدفع بالأوقات المناسبة لكن المشكلة الرئيسة تظهر عند استلام المقاول للدفعات الأولى والدفعات الأخرى وكيفية التصرف فيها، وهل توجه هذه الأموال لتنفيذ المشروع، أم تحول لحسابات خاصة أخرى لشراء الأراضي والأسهم أو تحويل المبالغ لمشاريع متعثرة للمقاول نفسه في مواقع أخرى، في حالة المشاريع العملاقة التي تقدر بالمليارات وعند دفع المقدم، هل تحول الدفعات المقدمة من الدولة إلى حسابات خارجية أم إلى حساب محلي للمشروع؟ إن ظاهرة الديون المعلقة وهي بالمليارات في السوق السعودية وهي لمقاولي الباطن والمصارف والموردين أصبحت واضحة الآن في السوق السعودية، وإذا استمر الوضع كما هو واستمر توقيع العقود على المقاولين أنفسهم بالمليارات وازدادت الظاهرة فستكون قنبلة اقتصادية خطيرة، الله يكفينا شر آثارها لو انفجرت وهذا متوقع. إذن لا بد من حل عاجل لكي لا تستفحل المشكلة.. والحل المقترح والعملي هو اشتراط فتح حساب خاص في مصرف سعودي لكل مشروع سبق أن وقع عقده أو مشروع جديد يوقع عقده مع مقاول، حيث توجه له كل المبالغ المستحقة للمقاول من دفعات مقدمة أو دفعات على الحساب أو قروض مقدمة للمشروع من المصارف ولا يسمح بصرف أي مبلغ من هذا الحساب إلاّ بتوقيع ثلاثة أطراف هم المقاول واستشاري المشروع والمحاسب القانوني للمشروع وأن توجه الشيكات لجهات لها علاقة شرعية بالمشروع، وعلى مسؤولية موقعي الشيكات. وعند الانتهاء من المشروع يسلم المبلغ الصافي، إن بقي شيء للمقاول مشكوراً.. وله الحرية الكاملة في التصرف في أرباحه إن حققت أرباحاً. لقد سبق أن واجهنا مشكلة مماثلة في النشاط العقاري وهي ظاهرة بيع الفلل والشقق على المخططات.. وهروب المطورين أو تعثرهم بعد تجميع أموال الناس وعدم تنفيذ التزاماتهم وبدأت المشكلات.. هنا سبق أن تقدمت شخصياً باقتراح عملي من خلال مقالة في جريدة ''الاقتصادية'' مقترحاً اشتراط فتح حساب خاص (إسكروا اكاونت) لأي مشروع عقاري تحت التطوير، حيث توضع فيه كل المبالغ المدفوعة من المستثمرين للفلل والشقق ولا يصرف منه إلا على تطوير المشروع. وبالفعل صدر القرار الوزاري بناء على تعليمات سامية بتطبيق هذا الاقتراح.. وتم إنقاذ السوق من حرامية العقار الخارجيين، ولم يبق في سوقنا إلا أولاد الديرة العقاريين الذين نشطوا وبدأوا يعملون معنا بأمانتهم المعهودة.. وظهر لنا شباب سعوديون مطورون عقاريون جدد. أما سيء النية فلم يستطع الاستمرار.. الذي كان هدفه فقط تجميع الدفعات الأولى والتلاعب فيها. نريد حلاً عملياً مثل هذا الحل لمواجهة مشكلة تعثر مشاريع الدولة بسبب أزمة التدفقات النقدية، وبالطبع هناك مشكلات أخرى متعلقة بإجراءات الدولة.. وتقييمها لمشاريعها.. وسوء اختيارها للمقاولين.. وهذه من المشكلات التي المفترض أن تواجهها اللجنة بشجاعة. وأخيراً.. إذا لم تشترط اللجنة هذا الحساب الخاص لكل مشروع.. فابشروا بتأخر كل المشاريع ولن تنفعنا تنظيمات أو قرارات.. فالمقاولون من الباطن وأكثرهم أجانب إما بترخيص استثمار أجنبي أو تستراً إذا لم يدفع لهم المقاول الرئيس سيهربون للخارج وخاصة أن المشاريع ترسى عليهم من المقاول الرئيس بخصم 30 في المائة من سعر المقاول الرئيس مع علم المالك الحكومي ومع توقعات الاستشاري للمشروع بأن يلتزم المقاول من الباطن بالمواصفات والجودة نفسها ويتورط السعودي المسكين المتستر في حالة التستر والله يكفينا شر هذه النتيجة. والله الموفق..
إنشرها