معالجة البطالة تبدأ بقطاع التجزئة

قلة هم أولئك الذين يختلفون على أن البطالة هي المهدد الأكبر على المستوى الوطني، وأنها يجب أن تحتل الأولوية الأولى في اهتماماتنا. ومما يثير الغرابة ويطرح تساؤلات لدى الجميع هو أننا نعاني مشكلة آنية وربما معضلة مستقبلية في وقت نستضيف فيه أكثر من ثمانية ملايين وافد - أي أكثر من 30 في المائة من مجموع سكان المملكة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من وزارة العمل إلا أنه يبدو أن المستقبل بالنسبة لحجم البطالة في المملكة لن يكون أفضل من الحاضر، بل سيكون أكثر تعقيدا والمشكلة أكثر حدة إذا لم نتمكن من وضع الحلول العملية الناجعة، وذلك لعاملين أساسيين:
الأول: أن مجتمع المملكة مجتمع شبابي، حيث يقدر أن 53 في المائة من مجتمعنا تحت سن 19 عاما. وفي الوقت الذي يوفر هؤلاء قوة عملية دافعة للاقتصاد، فإنهم يمثلون تحديا كبيرا ويتطلبون توفير فرص عملية عديدة تتناسب وحجم الطلب المستقبلي الكبير. وفي تقديري أن ذلك هو التحدي الأكبر أمام واضعي السياسة الاقتصادية للمملكة.
والثاني: أن المملكة وبتوجيه ودعم من قيادتها اتجهت إلى إتاحة الفرصة لأولئك الشباب للحصول على التعليم العالي سواء من خلال التوسع في إنشاء الجامعات أو برامج الابتعاث الخارجي. وهو ما سيزيد من الطلب على الوظائف بشكل يصعب معه التعامل مع معضلة البطالة. وقد يفضي ذلك إلى نتائج لا تحمد عقباها إذا لم يتم التعامل مع هذا التحدي من الآن.
إذا ما الحل؟
أولاً، مع الإيمان بأن التعليم والتمكين أمران متلازمان مع التوظيف والتنمية الاقتصادية، إلا أن إلقاء اللوم على مخرجات التعليم العالي كسبب رئيس أو وحيد للبطالة، هو مجرد بحث عن شماعة للمشكلة ولن يساعدنا على إيجاد حلول عملية. والدليل على ذلك أن الوافدين لدينا يأتون من بيئات علمية ربما تقل بدرجة كبيرة عنا، بل إن معظم هؤلاء لم يتلقوا تعليما أساسيا، ومع التحديات التي يواجهونها، إلا أن الواحد منهم يصبح ثريا بل رجل أعمال في عدد محدود من السنوات وربما الأشهر. ومن هنا فإنني أعتقد أن أحد أسباب تأخرنا في حل المشكلة هو إما جهلنا أو تجاهلنا لمعرفة أسبابها الفعلية.
ثانياً، كيف نفسر وجود بطالة تقدر بـ 500 ألف عاطل، بينما يوفر قطاع التجزئة وحده 1.8 مليون وظيفة؟ وهل نحتاج إلى مهندس كيماوي ليعمل بائعا في محال الكماليات أو المواد الغذائية؟ كيف نسمح للوافدين بممارسة التجارة خاصة في قطاع التجزئة ونحن نعاني من البطالة؟ وهل ممارسة التجارة من التعقيد الفني والتقني، حيث لا يستطيع أبناؤنا القيام بها؟ إن تخصيص 30 في المائة فقط من قطاع التجزئة (600 ألف وظيفة)، كفيل بتوظيف كافة العاطلين، لا أجد أي تفسير منطقي يحول دون ذلك. هذا مع وجود قطاعات تجارية أخرى مؤهلة للسعودة وتساعد على معالجة البطالة. أما أن تقتصر السعودة على سوق الخضار فهو أمر لافت للنظر.
وهنا أعتقد أننا أحوج ما نكون للبحث عن حلول عملية بعيدة عن التنظير، وبناء عليه فإنني اقترح ما يلي:
1 - قصر قطاع التجزئة على السعوديين فقط وتطبيق ذلك تدريجيا، فتتم سعودة 50 في المائة منه على الأقل في مدة لا تتجاوز أربع سنوات.
2 - وضع آلية دقيقة وصارمة لمراقبة أداء القطاع التجاري والحد من سيطرة الوافدين عليه ومنعهم من الدخول في سلسلة التموين والعرض فيه للحد من احتكارهم للسلع ومصادر التموين وعملهم على إفشال الداخلين الجدد لسوق العمل من السعوديين.
3 - تحديد ساعات العمل بالنسبة لقطاع التجارة فقط، وذلك بما يتناسب والظروف الاجتماعية.
4 - مراقبة التستر بشكل أكثر صرامة ووضع الجزاءات والعقوبات الرادعة للمخالفين.
5 - مراجعة سياسة هيئة الاستثمار حيث يتم قصر الاستثمارات الخارجية على الأعمال التي تضيف قيمة اقتصادية أو تجلب التكنولوجيا.
6 - تشجيع العمل الحر لدى الشباب وتشجيع روح المبادرة لديهم، وذلك من خلال آليات عملية تتعلق بالتمويل وتسهيل إجراءات التراخيص وتوفير الحاضنات المناسبة بشكل عاجل.
7 - تشجيع وتشريع العمل من المنزل، الذي يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية. مع العلم أن العمل من المنزل أصبح عرفا عالميا في قطاع الأعمال، ففي الولايات المتحدة وحدها يعمل أكثر من 60 مليون نسمة من منازلهم.
8 - تبني مبادرات خاصة لعمل المرأة حيث تحافظ على خصوصيتها وعملها وفق الضوابط الشرعية والأعراف الاجتماعية، في الوقت الذي تجد فيه فرصا للعمل وكسب الرزق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي