ناتج محلي أخضر؟
من بين المواضيع التي تكرر بحثها في قمة الأمم المتحدة ريو+20 والتي انتهت في حزيران (يونيو) إلى الفشل الذريع كان الأمر المتعلق بالحاجة إلى تغير الكيفية التي نقيس بها الثروة. فيزعم كثيرون أننا لا بد أن نتخلى عن ''هوسنا'' بالناتج المحلي الإجمالي وأن نهتم بتطوير معيار محاسبة ''أخضر'' جديد لكي يحل محله. والواقع أن القيام بهذا كان يعد خطأ فادحا.
إن الناتج المحلي الإجمالي في حقيقة الأمر مجرد مقياس حسابي للقيمة السوقية لكل السلع والخدمات. وهذا يبدو كمؤشر جيد لقياس الثروة، إلا أنه كما يُشار في كثير من الأحيان يشتمل على أمور لا تجعلنا أكثر ثراءً ويترك أموراً أخرى من شأنها أن تجعلنا كذلك.
على سبيل المثال، إذا لم يتم تعويض الناس عن الضرر الذي لحق بهم بسبب التلوث، فإن تأثيراته الضارة لن يتم تضمينها في الناتج المحلي الإجمالي. وإذا دفعنا لتنظيف التلوث، فإن هذا يزيد من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه لا يعني خلق أي قدر إضافي من الثروة. وعلى نحو مماثل، هناك قيمة اقتصادية تُنتَج عندما يتم تنظيف مياه الصرف الصحي بشكل طبيعي بواسطة المستنقعات والأراضي السبخة، ولكن هذا لا يشتمل على عقد أي صفقة فعلية، لذا فهو لا يحتسب في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المفيد أن ننظر في أوجه القصور التي تعيب الناتج المحلي الإجمالي كمقياس للثروة. وقد يكون من المنطقي أن نسعى إلى إنتاج مقياس أفضل للناتج المحلي الإجمالي، يضيف الفوائد غير المحتسبة، ويخصم تكاليف العوامل الخارجية، ويستبعد الأنشطة التي لا تولد الثروة. ولكن من المؤسف أن العديد من البدائل ''الخضراء'' المقترحة، رغم كل النوايا الحسنة، قد لا تعالج أوجه القصور هذه بالقدر الكافي، بل وقد تسفر في الواقع عن نتائج أسوأ.
ومن بين الأمثلة البارزة التي تم استعراضها أثناء فترة الإعداد لقمة ريو+20، والتي استخدمت لدعم فكرة ''تخضير'' الناتج المحلي الإجمالي، تلك القضية التي تركزت حول مستنقع ناكيفوبو في كمبالا عاصمة أوغندا، حيث تتدفق مياه الصرف الصحي من المدينة باتجاه بحيرة فيكتوريا. ومن دون الوظيفة التي يقوم بها المستنقع في تنقية المياه، فإن كمبالا ستحتاج إلى محطة صرف صحي بتكلفة لا تقل عن مليوني دولار سنويا، كما أظهرت إحدى الدراسات.
ووفقاً للمختص الاقتصادي بافان سوخديف، فإن وجهة نظر الرئيس السابق لمبادرة الأمم المتحدة للاقتصاد الأخضر، كانت واضحة: ''إن الوظيفة التي يؤديها المستنقع بالمجان قد تتكلف مليوني دولار سنوياً لو غاب المستنقع، وهم لا يملكون هذا القدر من المال''. بالتالي، وفي الاختيار بين الفوائد غير المحتسبة المترتبة على معالجة مياه الصرف الصحي، والتي تقدر بنحو 1.75 مليون دولار سنويا، والإنفاق المحتمل المتمثل في بناء محطة صرف صحي، قررت كمبالا حماية المنطقة. أي أن ''الغلبة كانت للمنطق الاقتصادي'' على حد تعبير سوخديف.
إن أنصار الحملة الخضراء يسعون غالباً إلى تحقيق مثل هذه النتائج، ولكن مساعيهم غير مبررة على الإطلاق. ذلك أن المستنقع يقع بالقرب من وسط المدينة ومركزها الصناعي، وكمبالا تحتاج إلى أراض إضافية. وفي كل الاحتمالات فإن الفوائد الصافية المتمثلة في خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي والتي قد تترتب على إنشاء منطقة جديدة (في مكان المستنقع) ستكون أعلى كثيراً من 1.75 مليون دولار. وهناك سبب وراء احتفاظ قِلة من المدن الكبرى الغنية، إن وجدت، بأراض رطبة غير مطورة في محيطها.
في عموم الأمر، قد تقودنا المحاسبة الخضراء إلى مقاييس أكثر انحيازاً من المقاييس التقليدية للناتج المحلي الإجمالي. ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي الأخضر يشتمل على خسائر غير محتسبة، وبالتالي فإنه يجنبنا مشكلة المبالغة في تقدير ثرواتنا، ولكنه يفشل في احتساب الفوائد المحتملة الأعظم التي قد تترتب على الإبداع.
على سبيل المثال، يزعم البنك الدولي أننا لكي نتحول إلى اقتصاد أخضر فيتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار أن استهلاك الوقود الأحفوري سيحرم أجيال المستقبل من هذه الموارد.
إن أغلب صناع السياسات لا يزالون يركزون على الناتج المحلي الإجمالي، لأنه رغم كونه بعيداً عن المثالية، إلا أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنتائج عظيمة القيمة في العالم الحقيقي. فالدولة التي تتمتع بناتج محلي إجمالي أعلى لديها عموماً معدلات أدنى للوفاة بين الأطفال، ومتوسط عمر متوقع أعلى، وتعليم أفضل، وقدر أعظم من الديمقراطية، وفساد أقل، ورضا أعظم عن الحياة عموما، وفي أغلب الأحوال بيئة أنظف.
لذا ففي حين قد تلعب المحاسبة الخضراء دوراً فعلياً فلا ينبغي لنا أبداً أن نسمح لها بالتحول إلى عقبة أمام التنمية.