هذا الصمت المريب!

المتعارف عليه أن الجامعات لها دور اجتماعي، وإذا فقدت هذا الدور يكون وجودها من باب الوجاهة الاجتماعية، والدور الاجتماعي لا يتوقف عند مجرد تخريج أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين وغيرهم، إنما دور الجامعات الاجتماعي يجب أن يكون في الحفاظ على سلامة المجتمع وعلى تطويره والارتفاع به من خلال البحث العلمي، ولا أقصد البحث العلمي الخالص، وإن كان من الضرورات المهمة، إنما أقصد البحث الاجتماعي القائم على العلم. ولأن الفتوى لا تقوم إلا على العلم، فلذلك يلجأ أهل الفتوى الدينية إلى أهل الاختصاص، وأهل الاختصاص هم أهل الجامعة. وهذا واحد من أدوارها الاجتماعية، وإلا فهي ـ كما قدمت ـ تصبح من باب الوجاهة الاجتماعية لا أكثر. لماذا أقول هذا الكلام؟
منذ ستة أشهر أطلق المفتي العام رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبد العزيز آل الشيخ، صرخة يطالب فيها الاختصاصيين في الجامعات السعودية بدراسة موضوع زواج القاصرات من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأشار آل الشيخ إلى أن أسئلة كثيرة تصل إدارة البحوث العلمية والإفتاء حول مشروعية زواج القاصرات. جاء ذلك في جريدة "الحياة" بتاريخ 28 كانون الثاني (يناير) هذا العام، ورغم مرور ستة أشهر فإن الجامعات "لا حس ولا خبر"، وكأنها لم تسمع الصرخة، على الرغم من أن سماحة المفتي قد أرسل إلى الجامعات يطلب منها بحث هذه القصية. ورغم خطورة قضية زواج القاصرات على بنية المجتمع، إلا أن الجامعات في حالة صمت، وكأن القضية لا تعنيها على الرغم من أنها في صلب دورها الاجتماعي. ولا أدري سببا لهذا الصمت، وهل هو صمت مقصود يعني الموافقة على هذه القضية الخطيرة، ويعني أن الجامعات السعودية لا يعنيها أمر المجتمع السعودي وسلامته؟ إن كثيرين، وأنا منهم، ضد زواج القاصرات لما في ذلك من اعتداء صارخ على إنسانية الفتاة القاصر وانتهاك لطفولتها، فهي لم تصبح بعد قادرة على تحمل أعباء الحياة الزوجية، ولا هي قادرة على التعامل مع زوجها. لقد سجلت المملكة عدة حالات من هذا الزواج اللا إنساني، ومنها حالة طفلة "القصيم" البالغة من العمر 12 عاما زوجها والدها لكهل تجاوز الثمانين الذي أمهرها 85 ألف ريال، وهي حالة أثارت جدلا كبيرا في الداخل والخارج. وهي حالة تمثل نوعا من التجارة. وإذا كان الشرع لم يحدد سنا للزواج إلا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، هذه الشؤون لا يفتي فيها إلا الباحثون وأهل الاختصاص وهم رجال الجامعة وباحثوها، ولذلك لجأ إليهم سماحة المفتي. إن الكرة الآن في ملعب جامعات المملكة وعليها أن تخرج عن صمتها وأن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي