لماذا لسنا دولة بوليسية؟

لم تواجه دولة في المنطقة حربا حقيقية من الإرهاب والإرهابيين، كما واجهتها السعودية مع تنظيم القاعدة، الذي يعد أخطر تنظيم إرهابي في العالم. فوجئ السعوديون بفلذات أكبادهم يطعنون بلادهم بشكل لم يسبق له مثيل، كانت الصدمة غير مسبوقة وغير متوقعة. تصدى الراحل الفقيد الأمير نايف بن عبد العزيز لمواجهة هذه الهجمات الإرهابية بصورة أذهلت العالم. وعندما أتت الوفود الغربية لمعرفة سر نجاح التجربة السعودية في محاربة ''القاعدة''، كانت مفاجأتهم أكبر وأكبر وهم يجدون أن كل ما قامت به السعودية لم يترافق إطلاقا مع انتهاكات لحقوق الإنسان أو فرض قوانين طوارئ أو حظر للتجول، وعلى الرغم من المعالجة الأمنية البالغة الحساسية لملف الإرهاب، إلا أنه لم يعرف قط عن المملكة أنها كانت في يوم ما دولة بوليسية، كما تفعل دول عدة في منطقتنا تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
ولعل الصدى الدولي لنجاح برنامج المناصحة يمثل اللبنة الأساسية للطريقة السعودية في محاصرة الفكر الإرهابي، فَمَن يصدق أن دولة ما تحتوي أبناءها الذين غدروا بها وسعوا إلى زعزعة أمنها. لم تفعلها السعودية لأن (نايف) كانت له النظرة الاستراتيجية الحكيمة والحريصة على مستقبل الوطن، بعيدا عن التعامل الأمني الخالص الذي يسير عليه عادة وزراء الداخلية. فالفقيد، ومع أنه كان رجل الأمن الأول، كان أيضاً رجلا سياسيا محنكا، وهو ما يمكن اعتباره السبب الرئيس وراء تلك السياسة الفعالة في محاربة الإرهاب ومحاصرته.
سألني أمس مذيع قناة ''سكاي نيوز عربية'': ألا تخشون كسعوديين بعد وفاة الأمير نايف على مستقبل محاربة الإرهاب؟ فكانت إجابتي بأن من أهم ما قام به ولي العهد الراحل تأسيسه عملا تنظيميا لا يرتبط بأشخاص، فقبل المواجهة الأمنية لوزارة الداخلية أسس لمواجهة فكر القاعدة من قبل السعوديين أنفسهم، لذا فرحيل نايف وإن كان صادماً للسعوديين، فإن عمله وفكره سيظل باقياً لن يغيب، ولعلي أذكر في هذا السياق تصريحا للفقيد في أيلول (سبتمبر) 2010 أشار فيه إلى أن السعودية تعرضت لعشر عمليات إرهابية في حين أحبطت الأجهزة الأمنية نحو 220 محاولة إرهابية، ويمكن هنا أن نعرف لماذا ذهل العالم من الفكر الذي أسسه نايف في محاربة الإرهاب.
ربما تعد السعودية، وبسبب مكانتها الدينية وعمقها الاستراتيجي، من أكثر الدول استهدافا في المنطقة، سواء من عصابات إجرامية أو دول تتربص بنا، أو كما تحدثنا من قبل التنظيمات الإرهابية، لكن كل ذلك، ومع كل الجهود الأمنية المستنفرة بشكل دائم، لم يشعر المواطن السعودي بذلك الاستنفار إلا قليلا، كان الشعار الذي رسخه الراحل أن المواطن هو ''رجل الأمن الأول''، مثالا للعلاقة التي تربط الدولة بمواطنيها، لذا لم يكن مستغربا أن تتعرض الدولة لأعنف الهجمات ضدها، بينما المواطنون يمارسون حياتهم بشكل لا يمكن مقارنته بأي دولة تتعرض للظروف ذاتها.
نكررها دائما، الدول هيبة فإن ضاعت سقطت تلك الدول. الأمير نايف، باعتباره وزيرا للداخلية، أسس هيبة لبلاده لا تقارن بما سواها، لم يفعلها بالقمع والقسوة. لم يحول بلاده لدولة بوليسية حتى يصل إلى مراده في تحقيق الأمن، عمل على ذلك وفق معادلة الصرامة والإنسانية في آن واحد. رحيل الفقيد ليس هيناً على السعوديين بمشاربهم كافة، لكن أفضل تعبير على بقاء الراحل في أفئدة مواطنيه، عبارة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي: إن رحل نايف فكلنا نايف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي