شفافية الملك ومشاريعنا المتعثرة
ربما كانت مفاجأة للشارع السعودي، لكنها سارة بكل تأكيد، ذلك التقرير الذي ناقشه مجلس الوزراء السعودي، أمس الأول، والمعني بمتابعة المشاريع التنموية والخدمية لدى عدد من الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية. ولعل الأهم في هذا التقرير، هو أن نسبة المشاريع التي لم يشرع في تنفيذها حتى الآن بلغت 20 في المائة، وهو ما يمكننا من القول إن هذا أول إقرار رسمي بحجم المشاريع المتعثرة في البلاد.
ولأن الحكومة لم تستعرض هذا التقرير دون أن يكون لها هدف واضح، فإن الرسالة الحاسمة التي وجهتها كانت أن أي تأخير هو محل متابعة ومحاسبة، خاصة لتلك الجهات الحكومية التي حققت النسب الأدنى في تنفيذ المشاريع المسؤولة عنها، وبالتأكيد فإن توجه الحكومة هذا في وضع الإصبع على الجرح كاف لأن تعي كل الجهات التي لا تقوم بدورها كما يتوقع منها، أن المرحلة المقبلة لن ترحم المتخاذلين والمتقاعسين.
ومع أن عدم تنفيذ 20 في المائة من المشاريع نسبة لا تستحقها بلادنا مقارنة بالإنفاق الضخم غير المسبوق، ومع أن حتى تعثر مشروع واحد هو أمر لا يمكن السكوت عنه، فإن الكشف عن هذه النسبة قطع الطريق على مبالغات غير منطقية، وفعلا فإن أقصر طريق لإلغاء الشائعات والتكهنات هو إعلان المعلومة الحقيقية، وبالتالي تفويت الفرصة على المجتهدين، أصحاب النيّات الطيبة أو غيرهم، الذين يقدرون المشاريع المتعثرة بأرقام لم ينزل الله بها من سلطان، ولم يعد مفاجئا أن نسمع ونقرأ ونشاهد أن حجم هذه المشاريع المتعثرة بلغ تريليون ريال خلال ثلاث إلى أربع سنوات، وهو ما أعلنته أخيرا الجمعية السعودية للهندسة المدنية، في حين أن التقرير الذي عرض في مجلس الوزراء يفند هذه الأرقام الفلكية كليا.
مهما فعلت الحكومة، أي حكومة في العالم، ستبقى هناك مشاريع متعثرة، لكن المهم ألا يصبح التعثر في المشاريع ظاهرة، وهو ما يؤرق الشارع السعودي بمشاربه كافة، بل يقلق الحكومة كذلك. غير معقول أن تضخ الحكومة كل هذا الإنفاق الهائل في فترة يمكن اعتبارها ذهبية في تاريخ هذه البلاد، لنفاجأ فيما بعد بأن هذا المشروع أو ذاك لم ينفذ، ولا أحد يعلم عن الأسباب إطلاقاً.
إعلان مجلس الوزراء مناقشته هذا التقرير، خطوة جديدة نحو ترسيخ الشفافية التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين، الذي هو مَن يبدأ بالمبادرات وهو مَن يحثّ على سرعة التنفيذ وهو مَن يسأل وهو مَن يعقِّب ويتابع ولا يرضى أبدا عن تأخر المشاريع، لذا فمن غير المقبول أن تتقاعس الجهات الحكومية عن القيام بدورها في تنفيذ المشاريع وفق جدولة محددة سابقا، والخطوة المقبلة التي ننتظرها من قطاع متابعة الأوامر والقرارات في الديوان الملكي، إعلان تفصيلي عن جميع المشاريع المتعثرة وأسباب توقفها والمسؤولين عنها وكذلك قيمة الخسائر التي سبّبتها، وهذا فيه تعزيز وترسيخ لعهد الشفافية الذي دشّنه الملك عبد الله.