عقدة نقص !

‏يقال "إن التاريخ لا يتذكر من يرتدي ملابس ثمينة، وإنما من يعمل من أجل أفكارٍ ثمينة" ولهذه المقولة علاقة وثيقة برابط انتشر على اليوتيوب عنوانه (نون النسوة) يؤطر ويستفيض في (علم الكولنة !) قدمته فتاة سعودية موهوبة اسمها هتون قاضي، الدكتورة التي تقتات على الضحك (كما تصف نفسها) وتجعلنا تلقائياً نغرق في دوامات السعادة بلا إنقاذ . تخبرنا بأسلوب ساخر عن عينة من الفتيات (الكووول) لا يرتدين إلا الماركات العالمية ولا يركبن إلا سيارات Porsche والـ BMW ولا يرغبن البتّة بمعرفة أي شيء عن المطبق أو الكباب الميرو ! وتستعرض (بأسلوب كوميدي ساخر) ملامح الشخصية "الأقحوانية البرجوازية (السيلف سنترية)، أو من يعتقدن بأنهن مركز الكون" دعماً للمشروع. فقد اكتشفت من خلال المسح الميداني أن الكل يعاني من (الكولنّة) لكنهم صامتون ! وأن المجتمع يجب أن يتحد ضد هذا الفكر قبل أن يتعملق !

وقد أسمتها متلازمة الكوول Being Cool Syndromeويصاحبها أعراض ترديد عبارة (أوو ماااي جااادOMG ) أو تسمية (المعصوب) بنانا ماش Banana Mash لتصبح القائلة كووول بجدارة ! ولتردد (الكوليات) حماااس ! ولا ندري حقاً أين الحماس في البنانا ماش ؟!! وتقتضي طقوس (الكولنة) اقتناء حقائب غالية كالجوتشي والفيندي ، وإلحاق الأولاد بمدارس خاصة ومحادثتهم بالإنجليزي، وعشق الأكل الياباني والإيطالي والترفع التام عن الشعبي ! وهي لا تستبعد أن يعتمد العلم رسمياً (كأسلوب من أساليب سوء التواصل السلوكي) ويخصص له ندوات ومحاضرات في طرق اكتشاف الأعراض المصاحبة وكيفية الوقاية منها !

تم تسليط الضوء ببراعة على تراكمات (كولية) لفكر شديد الهشاشة في مجتمعنا ، فظاهرة (الكول والكياتة) cool & cute هي المتسبب الرئيس في (فقع مرارة الأمهات) أو ما يطلق عليه في علم النفس تجذر عقدة النقص لدى بعض النشء وتدهور ثقافة الأجيال. ولكي يكون الشخص (كولياً) على (حسب قولها) يجب أن يكون لديه أربع صفات، أولاً: صعوبة التعبير باللغة العربية (وكأنها ولدت في اليابان ورضعت القهوة بالموكا !! وهي في الحقيقة لم تركب الطائرة مطلقاً !) ، ثانياً: حب السوشي والكوب كيك تماشياً مع الظاهرة (الكوليّة)، ثالثاً: نوع الشنطة الماركة وهي دلالة الانتماء إلى زمرة المجتمع (الكوولي)، فقيمة المرء بموديل الشنطة التي يحملها. رابعاً وأخيراً: حالة التقزز من البلد وما يجري به ! وكأنهم كائنات فضائية تعيش بيننا مؤقتاً وسترحل بعد تدميرنا !

أعجبني جداً أن يمارس النقد بروح كوميدية لظواهر تملأ مجتمعنا، فمن لم يتألم لحالنا وحال مجتمعه لن يغير بالسلبية والصمت شيئاً أبداً ؟ ومن يهاجم يالتقريع والنعيق وإدعاء الفضيلة والتكبر على خلق الله لن يتقبل منه أي ملاحظة أو توجيه مهما كانت صيغة الخطاب. ومن لم ينجز شيئاً في حياته لن يٌقدّر محاولات صنع التغيير إلى الأحسن . وأرى أن الوزر الأكبر (لمشروع الكولنة) تتحمله الأمهات الغافلات أو المتغافلات . إنها الأم التي تغرس في أبناءها عقدة النقص وتربي عليها أجيالاً كاملة تمارس التصنع وتتبع ثقافة الغير اشباعاً للفراغ المستدام، فتنتشر ثقافة تقييم الآخر بما يلبس من (ماركة) ومجوهرات وما تحمل من حقيبة وما ترتدي من عباءة !

تمثل هتون قاضي جيلاً جديداً ( مثقفاً وواعياً)، وقد أطلقت دعوة شجاعة للتغيير تنبع من روح وثابّة ترفض ظاهرة مجتمعية تكاد تتحول إلى مشكلة. معيار نجاحها فيما فعلت هو القدرة على ترك بصمة إيجابية ونشر ثقافة الانتقاد وقبول الآخرين لذلك بأريحية ، وقد رحم الله امرءاً أهدى إلى المجتمع عيوبه، لذلك أحييها وأحيي كل إمرأة سعودبة تحمل راية مؤثرة لتغير الواقع . نريد من يعبر عن الرفض (برقي) يسخر من الواقع والظواهر الجوفاء التي تجعلنا كالغثاء ... نتباهي بما نملك من أشياء.. ونتصنّع ما ليس فينا حتى نوصف (بالكولية) ! فليس بالتزييف والادعاء ترتقي المجتمعات وتتحضر الأمم !

هتون فزتِ بالضربة (القاضية) عبر برودكاست لم تريدي له الانتشار .
جميل ..جميل..جميل مافعلتِ.
تحية تقدير لك،،
سددك الله وأبعد عنا (الكولنة !!).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي