تصريحات الصندوق العقاري وواقع الإسكان

من الواضح عدم وجود رؤية واضحة في موضوع الإسكان، بل يوجد غموض وإرباك، من خلال تضارب القرارات وغياب التشريعات، مثل اختفاء أنظمة الرهن العقاري بعد أن أشغلتنا خلال السنوات الخمس الماضية، وفجأة اختفت بعد التأكيد بقرب صدورها من أعلى المسؤولين منذ سنوات مضت، ثم ظهر علينا إقرار زكاة الأراضي وعدم إقرارها وشرعية ذلك وهل تؤثر أو لا تؤثر، والموضوع الحاضر الغائب انخفاض أسعار الأراضي، والذي أسمعه وأقرأه منذ عدة سنوات مضت ولم نلمس هذا الانخفاض على أرض الواقع.
ثم ظهر علينا العام الحالي الصندوق العقاري وأشغلنا بتصريحات أسبوعية، حيث منذ الإعلان في منتصف العام الماضي عن فتح باب التقديم بدون شرط الأراضي وبغض النظر عن التصريحات المتعددة للصندوق بشكل أسبوعي وبغض النظر عن المؤتمرات الصحفية والصور والتوقيعات مع البنوك والمطورين وظهور برامج جديدة يتبناها الصندوق وتغيير في الشروط وفتح التقديم لشرائح جديدة، تبقت حقيقة واحدة فقط هي أن عدد المتقدمين بأرض قبل منتصف العام الماضي هم ستمائة ألف مواطن وعدد الذين قدموا بعد إلغاء شرط الأرض هم مليون وسبعمائة ألف مواطن، أي أن مجموع ما يحتاج إليه هؤلاء المتقدمون البالغون مليونين وثلاثمائة ألف مواطن من تمويل هو أكثر من تريليون ريال تقريبا، ورأس مال الصندوق بالكاد يتجاوز مائة وخمسين ملياراً، جزء جيد منها غير محصل حسب تصريحات سابقة لمسؤولين في الصندوق. بينما نجد أن إجمالي التمويل العقاري المقدم من قبل المصارف السعودية كافة خلال السنوات الماضية بنهاية عام 2011 حسبما تظهره تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي أقل من ثلاثين مليار ريال سعودي! هذه المصارف التي يرغب الصندوق في الاستعانة بها في برامجه الجديدة للمساهمة في تقليص قوائم الانتظار المليونية نجد أن حصتها ضئيلة جدا وهي تساوي حصة الصندوق من التمويل في عام واحد تقريبا، فكيف إذن ستكون جزءا من الحل السحري الذي تعلقنا به نتيجة جولات وصولات الصندوق الصحفية أخيرا ورفع الآمال والتوقعات، بل إن بعضنا ضحى بفرص الحصول على منزل بتمويل عن طريق تلك المصارف على أمل الحصول على أحد الحلول السحرية التي أبهرنا بها الصندوق أخيرا!
ثم نجد في الشق الآخر من التصريحات الصحفية الأسبوعية توقيعا هنا وهناك تَسلُّم مواقع هنا وهناك ولا يعلم أحد حتى الآن لمن تحديدا تبنى هذه المساكن التي ستصل إلى 500 ألف مسكن، وهل هذه المواصفات والمواقع مقبولة في السوق العقارية، وهل تم تفادي التجارب غير الناجحة سابقا في الإسكان؟!
أمور لن نكتشفها إلا بعد سنوات عند انتهاء البناء من هذه المساكن وحينها ستكون الإجابة واضحة ونتمنى ألا يكون الوقت قد فات على الندم وإصلاح الأخطاء التي قد تنشأ، حيث إن هذه فرصة لن تتكرر في إصلاح واقع قضية الإسكان الذي نعيشه حاليا. جل ما نعرفه أنه عند تدخل لاعب بحجم وإمكانات الدولة سيبتعد الآخرون عن المنافسة في تلك الشريحة المستهدفة التي تحتاج على العكس إلى تضافر الجهود كافة لتوفير الحلول الإسكانية، والمشكلة التي تحيط بواقع الإسكان هي واضحة جدا سواء للمواطنين أو المطورين العقاريين وهي توافر الأراضي بتكلفة معقولة وتوافر تمويل معقول، فهل الحل المعمول به حاليا وهو تدخل البيروقراطية بنفسها لتنفيذ هذه الحلول هو الحل الأفضل أم إكمال البنية التشريعية والتنظيمية والإشراف عليها وتوفير هذه الحلول للسوق بشروط واضحة وشفافة وعادلة تحت نظام يحمي الجميع هو الحل الأفضل؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي