ثوب قصير و شبشب !!

ما ذنبي أنا وما الذي جنيته لترى عيني مثل هذا المنظر ! ما ذنب عشرات الركّاب في الباص وأمامنا شيء ضخم الجثة عريض المنكبين متجهم الوجه يلبس (الشماغ) والثوب إلى ما تحت الركبة بقليل وينتعل (شبشباً تعلوه الغبرة ) وأظافره طالها النكران فما عادت تكترث لحالها. ما ذنبي ... وأنا على رحلة دولية ودرجة الحرارة في بلد الوصول 7 درجات مئوية ، ويصرّ هذا الشخص على السفر بثوبه الأبيض الخفيف إلى بلد لن يرحم فيها البرد عظامه . والكل يرمقه بنظرة استغراب واستهجان ! ما ذنبنا إنه قد أنعم الله عليه بارتال من اللحم والشحم تدفئه وتحميه من البرد القارس وهو يغيظنا بإصراره على السفر هكذا ! يحتمل أن يريد اثبات نظرية انتماءه وولائه للوطن أكثر من كل المسافرين وأنه السعودي الوحيد بيننا لذلك يسافر يالثوب والشماغ ويأكل ويشرب بالثوب والشماغ وربما يتمسك بذلك حتى في سرير النوم ! ما ذنبنا (ياهداك الله ) لو قال لك بعضهم أنه يستحيل ارتداء البنطلون لضخامة وفخامة (الكرش) ! وقد يقول قائل يا معشر النساء المسافرات لمَ لمْ تغضوا البصر ؟ وأقول كيف بالله عليكم وأنا أثق تمام الثقة أن هناك علاقة عكسية بين الكرش والعقل ، وأعلم أن الدماء تتجه لهذه المنطقة الهامة لمساعدة المعدة في عمليات الهضم ، فتقل كمية الدماء الصاعدة للمخ فيصاب صاحب الكرش بالبلادة (والتناحة) .

وبالعودة إلى مسافرنا الراحل أقول لو تكلمنا من ناحية السلوكيات والأخلاقيات العامة التي تٌعنى بجمال الظاهر وترتيب السمت ونظافة الثياب والهيئة والوجه البشوش والكلام والصوت الحسن، فذلك يعني اتباع أمر الله في عدم تحريم الزينة التي أخرجها لعباده والطيبات. وقد تجلى في صفاته الحسنى بأنه الجميل الذي لا يقبل من عبده إلا الجميل والطيب، ويحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها. والظاهر ينعكس في البدن بإظهار نعمه عليه في اللباس والطهارة والتخلص من الأدران والأوساخ .
ياهداك الله كان صلى الله عليه وسلم يتجملّ لأصحابه فضلا ًعن تجمله لأهله فقال: ((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)) .

فهل هو من السنّة أن يظهر بعض الرجال بشكل أشعث ليكرسوا صورة نمطية سلبية عن الرجل السعودي في أنحاء المعمورة ! أيعقل الاستهتار بالذائقة العامة لدرجة المساهمة في تدمير الصورة المشرّفة التي يحملها كل مسلم وعربي في قلبه للمملكة العربية السعودية ! كيف سيلاقي هؤلاء الإحترام والتوقير وهم يعرضون أنفسهم للنبذ والاغتياب ؟ كيف يتوهم هؤلاء أنهم الوجه الحقيقي للمواطنة ؟ جعلني هؤلاء أتمنى لو يدخل من ضمن مهام رجال الجوازات الكشف على السمت العام (الهيئة) ومنع أي رجل من السفر بالثوب والشماغ إلى خارج المملكة إلا بعد حصوله على (تصريح) من أمّه أو زوجته يفيد بأنه (صالح للسفر) خارج البلاد .

يا هداك الله أنت من ضمن من يمثل وطننا في الخارج بمجرد أن ترقى سلم الطائرة بما لك وما عليك فلم لا تثابر لتحظى بهذا الشرف ! وأنت المسؤول عن تكوين هذه الصورة وتتحمل ما ينشأ عنها من تبعات . أنت من ضمن الشعوب والقبائل التي تضطلع بمهمة (لِتَعَارفُوٌا إنّ أكّرَمَكُم ْعنِْدَ الله ِأتقْاكُم)، فكيف تمهدّ لذلك وأنت تتنازل بمحض إرادتك عن أبجديات الألفة وتبني الأسوار حولك فيأنف الناس محاورتك أو يصدون عن التواصل معك؟ كيف سيهنأ لك بال وأنت تصّر على التجول في الطائرة بثوب مجعّد ! وتنزل منها بنفس الملابس وقد طالتها (الكرمشة) فما تركت فيها مكاناً ! وأخشى ما أخشاه أن تكون من الذين يتجولون في بلاد الفرنجة بالثوب والشماغ أيضاً وممن يرتدون ثوب النوم عند الذهاب إلى المسجد أيضاً ! عياناً بياناً غير آبه بمشاعر الآخرين.

أؤمن أن لكل فرد حريته فيما يأكل وفيما يلبس، فما دخلي أنا ؟ لكني لم أكن لأحتمل أكثر من هذا ! أريد وقفة حاسمة نتبناها (نحن النسوة) أدعو فيها الأمهات والزوجات والأخوات وحتى البنات إلى التكاتف (بعزم أكيد) ضد ترك أزواجهم أو إخوانهم أو أبنائهم على مثل شاكلة هذا المسافر. أرجوها منكن أيتها المربيات والراعيات لبيوتكن والحريصات على نشر ثقافة احترام الذوق العام في الملبس عند السفر وحين الذهاب إلى المسجد وحتى عند النوم. فالوعي يبدأ من الداخل من محضن الأسرة وينتقل إلى المدرسة ومن ثم المجتمع ومن ثم إلى العالم بأسره .

أيها المسافر ما وقفتي هذه إلا لأني أتوسم فيك وفي من هم أمثالك اتباع سنّة رسول الله (التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها) وحب الوطن والحرص على تمثيله بشكل مشرّف ، وسأرضى بالثوب والشماغ أو الغترة لو كنت في مهمة رسمية تقتضي لبس المشلح ، أما غير هذا فلا ...
(ياهداك الله) لن أحكم عليك من مظهرك ولا نريدك بعدسات خضراء ، كنّا فقط نخاف أن يصيبك البرد والزكام وأنت تترجلّ من الطائرة.
غفر الله لنا ولك و رحم الله إمرأً كفّ نفسه عن الاغتياب .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي