بدري !!
في الأسبوعين الماضيين تداعت أخبار جامعة الملك خالد وجامعة القصيم، قامت النسوة (ولم يقطعن أيديهن) بالاعتصام باحترام للتعبير عن مطالبهن الإنسانية والشرعية من عمداء الجامعات المذكورة. كانوا قوةً ضاغطة لفتت النظر إلى ضرورة الاهتمام بممارسات العمداء ومدراء الجامعات المتهاونين في حق المسؤولية التي ولاّهم إياها ولي الأمر حفظه الله. وقد "أعلن نائب وزير العالي الدكتور أحمد السيف من بيشة أمس ، إلغاء تفتيش طالبات الكليات والسماح باستخدام الجوال على خلفية أحداث جامعة الملك خالد الأخيرة، بينما حركت جامعة الملك عبد العزيز في جدة لجنة عليا بصلاحيات واسعة للتأكد من جودة الخدمات المقدمة للطلاب والطالبات. وماعرفته أن اللجنة تحمل قراراً من مدير الجامعة الدكتور أسامة طيب ، للعمداء الكليات ورؤساء الأقسام يشدد فيه على فتح مكاتبهم للمراجعين وطالبي النقاش وتخصيص أوقات الدوام الرسمي لذلك".
وظهر في التويتر (هاشتاجات#) ضد عمداء وعميدات بعينهم وضد الفساد في الجامعات وضد الممارسات الخاطئة واستغلال النفوذ والسلطة لتحقيق المنفعة على حساب ظلم الآخرين. كنت أردد بيني وبين نفسي (بدري..بدري..) وأنا فرحة ومذهولة في نفس الوقت، وأظنه قد حان الوقت لمن هم في سدّة القيادة أن ينزلوا للواقع مرغمين وأن تكف البطانة الأكاديمية عن التطبيل والنعق بأن كل الأمور جيدة وممتازة ومن حسن إلى أحسن حفاظاً على الكرسيّ وتحقيقاً للمصالح الشخصية، أظنه قد حان الوقت ليجلب الكرسي المحاسبة والمساءلة بدلاً من (البريستيج) والمكاسب والنفوذ.
لا زلت كأم أتذكر ماكان يحكيه لي أبنائي عن واقع جامعة الملك عبد العزيز وقلبي يعتصر لأني من خريجات هذا الصرح العريق. كانوا يحرمون أنفسهم دخول دورات المياه لأنها غير صالحة للاستخدام، وكانوا يضطرون إلى السير مسافات طويلة لعدم وجود مواقف سيارات كافية، ولأن ليس لديه واسطة ليحصل على تصريح . وحدّث ولا حرج عن مستوى التسطيح المعرفي الذي يمارسه معهم بعض أعضاء هيئة التدريس واللغة غير المهذبة في الحوار، كانت أذني تستنكف سماع بعض الألفاظ التي يفترض بالأكاديمي والتربوي أن يربأ بها عن أسماع طلابه. كنت أخشى وأتخوف من الضغط النفسي الذي قد تحدثه مثل هذه البيئة في شخصياتهم، وما هو الأثر الذي سيتركه في شباب الوطن كلهم على اختلاف جامعاتهم ؟ كيف نعدّهم ليكونوا سفراء الاسلام وحماة المستقبل وهم يجابهون بيئة ترفض انسانيتهم وتتعامل معهم بمبدأ الفضل والمنّة وعدم العدالة في الفرص ؟
وأنهي حواري مع إبني بأن : هذا وطنك وتلك مؤسساته وعليك أن تعرف كيف تتعامل مع الأنظمة والإجراءات والأفراد بشكل لا يمحو هويتك وبطريقة تمكنك من الاصلاح وإحداث التغييير، فأنت ستتخرج لتعمل في مثل هذه البيئة ويجدر بك إصلاح ما أفسده الآخرون ما أمكنك الله من ذلك. ليقول إبني في النهاية كلماته المشهورة: (يا ماما مشي حالك !!) وكنت (أمشيه) منذ ذاك الزمن إلى الآن لأني أثق في الذي غرست فيهم.. وأتمنى على الله الأماني. أما بعد ماسمعت عن فعل بنات الجامعات استبدلت الاستفهام بكلمة (أخيراً ) مع ابتسامة .
أضحى الواقع المؤلم للجامعات دليل على فداحة الخلل والتقصير . لم يعد من الممكن تصديق أن وزير التعليم العالي معنا منذ الثمانينات وأنه لا زال متقداً فكرياً وقادراً على العطاء ؟ وما الراشد وأمثلته إلا نماذج قد تهاوت عند الأزمة وظهر عوارها. فقد خرج معاليه على الملأ بصفحة إعلان جرائدي متدثراً بأن "وراء نجاحه دعم القيادة الرشيدة" !! وأعتبره استعراض بانتهازية غير مقبولة . أية نجاحات وطالباتك يريدون احتراماً لانسانيتهم ومعاملة لائقة ، يريدون (ترم) صيفي ومعامل للكليات الطبية تأتيكم ميزانياتها رغداً بالملايين، أية نجاحات ولا يوجد تجهيزات كالكافتيريات والمطاعم والصراف ومكائن نسخ الورق على مستوى مناسب للخدمة الجامعية ! أيعقل أنك ستحقق لهم ذلك بصندوق سلاسل ؟ ثم أين هو دور عميدة شطر الطالبات ؟ أين هي صلاحياتها ولماذا هو القرار من قسم الرجال ؟ أليست هي القائمة على شؤؤونهم ؟
يا من تتحملون المسؤولية أقول كفى لا بد من وقفة حاسمة هنا.. أصلحوا التعليم العالي وأعيدوا له هيبته فما عادت أحلام شبابنا بمستقبل مشرق تقبل التسفيه ولا التلاعب! لتكن فترة كل وزير 4 سنوات يخضع بعدها المنصب للتدوير وينطبق هذا على مدراء الجامعات ووكلائهم والعمداء وأعضاء هيئة التدريس . لما لا نفسح للطلبة المجال للمشاركة في مجالس الجامعات وتشكيل اتحادات ذات استقلالية اعتبارية تمثل الطلاب والطالبات وتعبر عن صوتهم ومطالبهم . وليقم أمراء المناطق بالمزيد من تفقد أحوال الجامعات في كل المناطق ، عبر زيارات فجائية للمباني ومابها من تجهيزات وخدمات، اجلسوا أكثر مع الشباب في كل القطاعات وحاوروهم تنفيذاً لما أمر به مليكنا المفدى من خدمة الشعب والقيام على مصالحه. الهدف هو التكاتف والتكاتف حتى لا يزداد عدد المنتحرين والعاطلين واليائسين، وحتى تنفض الجامعات عنها الأسبال البالية وتشع بالنور والمعرفة .
أرجوكم ارحموني من ترديد كلمة (بدري ).