كثروا الطباخين

- في ظل تسيّد وسائل الإعلام المرئي لواجهة المشهد الإعلامي الرياضي، أصبحت جماهير كرة القدم "كائنات تلفزيونية"، تبحث في شاشات التلفاز عمّا يشبع جوعها ويروي عطشها ويلبي رغباتها في الحصول على وجبات (تحليلية) دسمة تفك طلاسم المستديرة الساحرة، وتخوض في التفاصيل الفنية المعقدة الدقيقة للمباريات في مختلف البطولات والمنافسات بهدف إيصال المتلقي إلى فهم وإدراك المعادلات الفنية التي يستخدمها المدربون، وعرض صور وجمل وتطبيقات فنية متقدمة تخفى على المشجع البسيط. هذه هي القيمة الحقيقية للمحلل الفني الكروي، ولكن واقع التحليل مختلف تماماً.
- أخي القارئ الكريم، كرر معي الجمل الآتية خمس مرات: الضغط على حامل الكرة.. الاستحواذ.. الخلل في العمق الدفاعي.. فقدان اللمسة الأخيرة أمام المرمى.. ضعف المخزون اللياقي في الشوط الثاني.. خلق المساحات.. التكتل الدفاعي. التكرار يعلم الشطار، مبروك، لقد أصبحت الآن محللا فنيا معتمدا! نعم، أنت الآن مطلب لكل "بقالات التحليل الفني" المنتشرة في القنوات الرياضية التي تتكرر فيها ذات الجمل الإنشائية (الضحلة) البعيدة كل البعد عن عمق التحليل الفني.
- لقد أصبحت مهنة التحليل الفني مهنة سهلة؛ فمحللو هذه الأيام يبيعون تحليل المباريات على الهواء مباشرة دون دراية وإلمام بتركيبة وطريقة تصنيع السلعة التي يعرضونها على الشاشة، حالهم كحال البائعين في البقالات، وأضحت متابعة الأستديوهات التحليلية مملة، ترجعني بالذاكرة إلى روتين طابور الصباح أيام المدرسة! أقولها وأتحمل مسؤوليتها، بعض "بائعي التحليل" لا يعون الفرق بين (دفاع المنطقة) و (الدفاع المدني) ولا يستطيعون التمييز بين (تشكيلة الفرق) و (الفنون التشكيلية)، وبعضٌ آخر منهم يعمل صباحاً كمحلل ومساءً كناقد، مثلهم كمثل مستحضر العناية بالشعر "شامبو 2 في 1".
- ظاهرة أخرى انتشرت في عالم التحليل الفني، حيث ألاحظ كما تلاحظون ازياد عدد الدكاترة في كرة القدم بشكل مريب، لدرجة أن بعضهم نال درجة الدكتوراه وهو لا يحمل شهادة جامعية! وتماشياً مع الموضة، صرت أسأل عن سعر درجة الدكتوراه في التمريرات البينية، وبدأت أخشى أن يفوق عدد الدكاترة في الملاعب الخضراء عدد نظرائهم في المستشفيات. اللافت للنظر هو أن الإعلام الرياضي لم يزد إلا سقماً مع ازياد عدد الدكاترة "الأونطة"!. بالله عليكم، من أي "دكانٍ تعليمي" اشتريتم حرف الدّال؟
- بعد بحث مستفيض، لم أجد وصفاً يتناسب والحزن العميق الذي اعتراني وأنا أراقب تردي حال مجال التحليل الفني أفضل من المثل القائل: (إذا كثروا الطباخين، فسدت الطبخة).

آخر فنجان:

قبل أعوام، قال الأمير عبدالرحمن بن مساعد: "عجب عُجاب.. ارفع حجر تلقى مُغني" .. في 2012، ارفع حجر تلقى «محلل» يا بو فيصل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي