منتدى جدة الاقتصادي عارياً !

ربما تكون الموضوعات الأكثر لغطاً هي الحاضرة والمؤثرة في وجدان الناس ، ويمكننا بالقليل من الفراسة والحنكة أن ندرك أن الاستمرارية والدوام هي الوسيلة لتمييز الزبَد الذي يذهب جُفاءً ... ولن يكون فيه خير كثير. ومع إصرار البعض على تشويه كل إنجاز حضاري وإختزاله وتقزيمه وفق أهوائه متناسياً أن الناتج حراكٌ يصب في بحيرات الاقتصاد والتجارة في بلادنا.
لانزال نتلمس ما يقومون به من اختزال الإنجاز في عباءات نسائية وموضة ولغة فرنجة وأفكار مكررة وأحلام عصافير، بينما نثق أن هذه التظاهرة الحميدة تعبر عن أمنيات عروس البحر الأحمر المستيقظة دوماً بلا تثاؤب.
وسأني أن تختزل إحدى الجرائد عمليات تبادل الأفكار والتجارب الناجحة في صورة فوتوغرافية لإحدى الحاضرات بزينتها الصارخة وهندام عباءتها التي بدت كفستان سهرة مبتذل ، مع ابتسامة مقززة ، لتعبر بها عن منتدى جدة الإقتصادي العريق ، فكيف تكون هي وأمثالها النموذج الذي يمثل نهضة المرأة الاقتصادية ؟ كيف تمثل سيدات الأعمال اللاتي يشاركن الرجل هموم التنمية في بلادي ؟. أو أن يقول قائل أن الذي يتُبادل من نقاشات وأوراق عمل وعروض قيمّة لتجارب الشباب وأحلامهم ، ما هو إلا هراء من وجهة نظره !.
ويحزنني كثيراً أن نترك الجوهر وما يعبّر عنه من إنجاز لنلتفت إلى مظاهر سمجة لا تعبر عن حقيقة الواقع الذي عايشته عاماً بعد عام ، مثلي مثل سيدات كثيرات في الحبيبة جدة ، الواقع الذي يقول أن المنتدى هو أكبر تجمع اقتصادي عالمي يتناول موضوعات وقضايا العالم اقتصادياً ويشارك فيه شخصيات سعودية وعالمية ومتخصصة في الحقل السياسي والاقتصادي ويحضره أكثر من 3000 شخصية اقتصادية من داخل المملكة وخارجها ، مهمته طرح الجديد وتأصيل التجارب من خلال العديد من أوراق العمل وجلسات الحوار ؛ لكن لم يكن من مهامه أبداً التنفيذ !.
وإليكم ما قاله أحد الحضور ضارباً بعرض الحائط ما تطمح له مخرجات المنتدى وذلك تعليقاً على المداخلات باللغة الإنجليزية فيقول "أن جميع الدول تتحدث بلغتها في مؤتمراتها، إلا نحن نتباهى بلغة أجنبية مكسّرة" ظاناً أنه يرمي سهماً بالصميم !. وأقول أن منتدى جدة الاقتصادي "مابعد الآفاق وبناء اقتصاد الغد" قد تجاوز هذه المرحلة بكثير.
منتدى جدة الاقتصادي في دورته الثانية عشر يحضره خبراء العالم ويُدعى له من كافة أصقاع الدنيا متحدثون ومشاركون لا يتكلمون العربية لكن لديهم تجربة أو خبرة يتشاركون بها معنا ، ونحن شعبٌ مضياف يمارس لغة اتصال محترفة تدعوه إلى التحاور بلغةٍ مشتركة يفهمها الأغلبية ، عليه فلا أنكر أنّ على المتحدث العربي أن يقدم ما لديه بالعربية ، لكن في النهاية للجمهور حرية طرح السؤال باللغات المعتمدة في المؤتمر وللضيف أن يجيب بما يريد. فبالله عليكم أخرجونا من متاهة اللغة ، هويتنا عربية وإسلامية ولا حاجة للمزايدة على ذلك ، والكلّ يعرف ذلك ، والتحاور أو المداخلة أو السؤال القيّم يفرضه الموقف وقدرة المحاور والسائل عليها.
ما أراه مشرقاً في منتدى هذا العام أن هناك تضاؤلاً في الأسماء النافذة والرنانة مقارنة بكل عام ، إنعكس أثره على المزيد من مشاركة الشباب السعودي والعربي ، فقاموا بعرض تجاربهم الناجحة ليتعرف عليها الجميع. هناك أيضاً طاقة خلاقّة لا يستهان بها ورقيُّ واضح في تقديم الخدمة للحاضرين والحاضرات من شباب متطوعين ساهموا في نجاح المنتدى.
وهناك محاولات أتمناها أن تثمر لتحلّ مشكلات الفقر والبطالة والتوطين والاستثمار المستدام ، وهي تطرق بإصرار على أبواب مواربة كانت تتمنّع منذ بدايات المنتدى ، مثل حضور الوزراء والأمراء وتقبلهم للشكاوى والمداخلات والرد على الاستفسارات وجهاً لوجه مع الجمهور لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً.
اقتراحي يامن تقومون على هذا الحدث ، أن يتم في إفتتاحية كل منتدى جديد عرض ما أنجزه المنتدى السابق وما حققه من خدمات فعلية لأهل جدة أولاً ولكل الأطراف المرتبطة به من شركات محلية وعالمية ورجال أعمال. يريد الناس أن يروا أرقاماً حقيقية لا شعارات واستراتيجيات وتوصيات.
نريد شيئاً واضحاً ملموساً يثبت هذه الإنجازات، ونريد أن نعرف في منتدى 2013 مالذي حصل مع المبادرين السعوديين ومشاريعهم وما الذي فعله رجال الأعمال والمستثمرون وأمراء المناطق لإنجاح مشاريع الشباب ؟. ما الذي فعله الوطن من أجل شركاء التنمية الشبابية أصحاب فكرة الحاضنة الاستثمارية العام القادم ؟. نريد أن نقيّم أثر الانجاز مشاركةً مع أصحاب الانجاز في بلادنا. تلك هي الخدمات الواضحة التي تُخرج التوصيات من كونها مجرد توصيات ، والنتائج مجرد نتائج لا تُسمن ولا تُغني من منتديات.
منتدى جدة الاقتصادي رئة جدة التي تتنفس بالرغم من كل المحُبطات وتنشر المعرفة الاقتصادية بل تشيعها بين مريديها والقادرين على هضمها واستيعابها. ومن لا يقدر فليقعد مع القاعدين. وأجمل ما في هذه الرئة قدرتها على استيعاب كل الأنفاس الحالمة والحانقة والتي تحمل بشائر الأمل وتظل تبث الحياة في جسد جدة الحبيبة.
أيها المنتقدون ما نريده هو التوجيه البنّاء الذي ينبع من مساندة خالصة لأي إنجاز يصبّ في مصلحة الوطن.
فدوماً الذي نريد هو الانتقاد الرشيد.
كل عام ومنتدى جدة الاقتصادي بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي