اللهاث وراء النياشين

الشغف بالتصنيفات العالمية لجامعاتنا وبعلامة الجودة لدى شركاتنا الوطنية وترتيبنا في معايير التنافسية والاستثمار وغيرها من مصادقات رقمية أو معنوية، أصبح في السنوات الأخيرة يأخذ حيزا من الاهتمام الإعلامي، فما إن يخبو الحديث عن حصول هذه الجامعة أو تلك الشركة أو هاتيك المؤسسة الاقتصادية أو التجارية على موقع معتبر أو ترتيب متقدم في تصنيف يضعها في سلم الجدارة والسمعة الحسنة، حتى يملأ المشهد، إيقاع طبل وزمر، بالصوت والصورة، يحتفي بما أسبغته أو تفضلت به عليها الجهة الأجنبية!.
كأنما بات المضمار سباقا لجمع نياشين الإشادات ممَّن هبَّ ودبَّ بغض النظر عن أهمية مصدرها أو وزنه العلمي أو الاعتباري.. وإلا فأي قيمة لترتيب متقدم لجامعة من جامعاتنا نحصل عليه حين حصاد البيدر يتنافر مع حساب الدفتر؟ وكيف يأخذ الزهو الجامعة فتزف البشرى كما لو أنها جاءت بإنجاز خارق وهي الأدرى بأنها ما زالت أسيرة عملية تعليمية نمطية تقليدية وتدن في مستوى البحث العلمي فيها وضحالة مراكزه، فضلا عن هشاشة الرصانة والالتزام بالهوية الأكاديمية على مستوى الأستاذ والدرس والدارس ناهيك عن العلاقة الهلامية مع المجتمع.
الحديث عن التقييم الأجنبي لا يعني ذما مطلقا له أو تشكيكا في نياته ومقاصده جريا على منهج ذهنية المؤامرة، وإنما لأن هذا الأجنبي عرضة لأن يكون قد وضع مدخلات معلوماتية غير دقيقة في معايير تقييمية، إما من باب المبالغة وإما لانتهازية نفعية خاصة به لأمر "ما" في النفس أو من باب الاتكاء على التقارير السنوية للجهات التي غالبا ما تعدها العلاقات العامة بشكل أقرب للدعاية أو لاعتماده على المسوح العينية التي تقوم على التقديرات، ما يؤدي في النهاية إلى أن تصدر عن جهة التصنيف الأجنبية أرقام ليست غير دقيقة فحسب وإنما مضللة.
الأمر نفسه، يحدث لبعض شركاتنا التي تنتج أو تسوق سلعا وبضائع، وإذا كان من حق الشركة أن تسلط الضوء على جودة منتجاتها من خلال ما أحرزته من علامات الجودة أو التميز لتعميق ثقتها بالمستهلك فإن من حق المستهلك، على نحو أشد، أن تبرهن له الشركة أنها تحترم عقله بمراعاتها المواصفات والمقاييس النظامية حقا، وأنه لن يفاجأ بأنه أهدر ماله فيـــما هو زهيد أو ألـحق به أضرارا صحية أو غيرها.
إن ظاهرة السباق المحموم والتهافت المفرط للاستحواذ على نياشين التصنيف وعلامات الجودة، ومراتب التنافسية والاستثمار و"عرضات" التغني بها لا تفضح فقط عطشا للإعلام والأضواء وإنما نوع من الاستهتار بسمعة الوطن يبرهن على عدم اهتمام مسؤول للارتقاء فعلا بالخدمات والإنتاج بحيث تنــــتزع هي بذاتها الاعتراف بحضــــــورها المميز الكفـــــؤ في الميدان، لا أن يتم استجداؤهـــا أو تدبيرهـــــا بـ "الفهلوة"!
إن جامعات العالم وشركاته ومؤسساته الاقتصادية تحصل على تصنيفات ومراتب وعلامات متقدمة لكن لا يحدث لها هذا الهياج والخفة المبالغ فيهما، بل لا يكاد يعرف بذلك أحد إلا أولئك العاملون في الحقل نفسه، فيما تجعلنا "لفتة" صغيرة من أية جهة أجنبية، نهرول لإضرام قولها نيرانا على رؤوس الجبال، ما يستدعي بالضرورة أن تتولى جهات الاختصاص نفسها فحص التقييم قبل التعميم ومحاسبتها على ذلك لكيلا تثابر المغالطات على تحويل الطحلب إلى غابة أو يصبح "المخيس" نفيسا وحتى لا يغرر بنا أحد ولا نغرر نحن بأنفسنا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي