أسس تقويم أصول الاستثمارات.. معالجة شرعية اقتصادية
تعتبر مشكلة التقويم من الأشكال الاقتصادية والمحاسبية في عالم المال والأعمال، وليست هذه مقصورة على المبادئ الاقتصادية بل تطول أسلوب التثمين للأصول واحتساب فريضة الزكاة ونحوها من الأمور المرتبطة بها.
وتزداد صعوبة أساليب التقويم وكونها محل جدل بين علماء المحاسبة مسألة الهبوط الدائم في قيمة النقود من حيث قوتها الشرائية، وما يصعب ذلك من ارتفاع في الأسعار وزيادة في الأجور والضرائب، وتتعدد نظريات التقويم المعاصرة إلى ثلاث نظريات رئيسية هي: نظرية التكلفة التاريخية، ونظرية التكلفة المعدلة بأرقام قياسية، ونظرية تكلفة الاستبدال.
ومن خلال التتبع لأسلوب قياس أصول الاستثمار في المنشآت الاقتصادية، نجد أن الأصول في المركز المالي على نوعين:
1/ الأصول الثابتة، وهي ما يعبر عنه في الفقه الإسلامي بـ ''عروض القنية'' وهي الممتلكات التي تقتنى بغرض استخدامها وليس بغرض إعادة بيعها، مثل الأراضي، والمباني والآلات والسيارات.
ومن طبيعة الأصول الثابتة أنها تقتنى بقصد المساعدة على الإنتاج، ولهذا فإن النفقة عليها تعتبر رأسمالية وليست إيرادية، كما أنها تتميز بصفة الاستمرارية التي هي من طبيعة رأس المال المستغل، ولا تطالها الزكاة الشرعية لعدم وجود نية المتاجرة، وإن كانت مستخدمة للتأجير فتبقى الزكاة على الإيجارات بعد مضي الحول من تاريخ قبضها.
2/ الأصول المتداولة : وهي ما يعبر عنه في الفقه الإسلامي بـ ''عروض التجارة'' وهي الأصول النقدية، والأصول الأخرى التي يتوقع تحويلها إلى نقدية أو بيعها أو استخدامها خلال السنة المالية أو دورة التشغيل أيهما أطول، وتشمل الاستثمارات قصية الأجل، والأوراق المالية، والإيرادات المستحقة.
وبالنظر إلى أسس تقويم أصول الاستثمار نجد أنه يتم اعتماد التقويم على أساس التكلفة التاريخية في الأصول الثابتة شاملة لجميع التكاليف والأعباء سواء القانونية أو الفنية أو غيرها التي تجعل من الأصل شيئا قابلا للاستعمال المباشر، ومعنى ذلك أن التقويم يطال جميع المبالغ النقدية التي دفعت للحصول على الأصل وتجهيزه ووضعه وتهيئته للاستخدام في العملية الإنتاجية للمنشأة أو تقدير قيمة الأصل وقت امتلاكه إذا كان مملوكا عن طريق الهبة أو غيره. ويراعى في تقويم الأصول الثابتة قيمة استهلاك هذه الأصول وذلك بتوزيع تكلفة الأصل بطريقة منظمة في شكل مصروف على فترات استخدامه (عمره الإنتاجي)
فإذا فرضنا أن التكلفة التاريخية للأصل (1000) ريال، وعمره الإنتاجي (5) سنوات فإنه يخصم من قيمة الأصل سنويا على شكل مصروفات (200) ريال، ولذلك نجد أنه من المفاهيم الحديثة للاستهلاك أنه تكلفة من تكاليف الإنتاج فلابد من أخذه في الحسبان قبل تحديد الربح الصافي.
أما الأصول المتداولة غير المالية كالمخزون السلعي في المستودعات ونحو ذلك فبعضهم يقيسها على الأصول الثابتة أي التقويم على أساس التكلفة التاريخية بمعنى ثمن شراء السلعة. مضافا إليها جميع النفقات غير المباشرة التي تحدث عند اقتناء هذه البضاعة مثل مصاريف النقل والاستلام والتخزين والبعض الآخر يجري عملية التقويم على أساس القيمة الاستبدالية بحيث يقيس سعر السلعة المتماثلة معها في الكفاءة والعمر والطاقة الإنتاجية لأنه قد يكون سعر السوق أقل من سعر التكلفة عند ذلك تكون هناك خسائر متوقعة من جراء انخفاض سعر السوق ولذلك يتم التقويم على أساس القيمة الاستبدالية (التكلفة الجارية).
أما الأصول المالية المتداولة فيتم التقويم على أساس القيمة السوقية للأوراق المالية المكونة للصندوق وقت إجراء المحاسبة بصرف النظر عن تكلفة امتلاكها.
ولو نظرنا إلى المنهج الإسلامي في أسس التقويم لوجدنا نظرية القيمة الاستبدالة (التكلفة الجارية) هي الأساس المتين لتقويم المشروعات حفاظا للحقوق من انخفاض سعر السوق عن سعر التكلفة وهذا واضح في أمرين:
1- أن الربح في الفقه الإسلامي هو ما فضل عن رأس المال فلا ربح إلا بعد سلامة الأصل. فالمحافظة على رأس المال هدف أساسي لبقاء المشروع الاستثماري ودوامه ولا يمكن أن يتم ذلك إلا باعتماد القيمة الاستبدالية وقت الميزانية كأساس للتقويم.
2- أن المعتبر في فقه الزكاة بإجماع الفقهاء هو اتباع مبدأ التقويم بالتكلفة الجارية ولذلك ذكرها الفقهاء في عروض التجارة (أنها تقوم بنحو ثمنها يوم حلت فيها الزكاة ثم تخرج الزكاة) بغض النظر عن سعر تكلفتها.
إن استخدام أسلوب الشرع المطهر في تقويم أصول الاستثمار سواء في الأصول الثابتة أو المتداولة يحمي رأس المال العامل بقيمة الاستبدالية بخلاف الطرق الأخرى فإنها تستلزم استهلالك رأس المال ويمكن للنظم المحاسبية أن تصل إلى القيمة الجارية بشكل دقيق خاصة في تطور النظم والطرق المحاسبية.
أسأل الله لكم التوفيق والسعادة والحمد لله على نعمائه.