نظام «الأسد» يلعب بورقة حزب العمال الكردستاني
الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان تبدي منذ فترة طويلة استعدادها لحل المشكلة الكردية بسياسة الانفتاح بعيدًا عن الحلول العسكرية التي يرى معظم المراقبين أنها لا تؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة وتغذية أعمال العنف. وهذه السياسة يشارك في صنعها وتقييمها السياسيون والمثقفون وقادة المجتمع المدني من الأتراك والأكراد.
التحولات الهائلة التي تشهدها منطقتنا في خِضَمِّ الربيع العربي ألقت بظلالها على الأكراد والقضية الكردية، حيث حاول الانفصاليون ركوب الموجة واستنساخ الثورات العربية الشعبية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا لتكون ''ربيعًا كرديًّا'' على غرار الربيع العربي، إلا أن اختلاف الظروف، ويقظة رجال الأمن والدولة، وعدم انجرار الأكراد وراء الإثارة حال دون ذلك.
الأكراد ما زالوا يرغبون في حل القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية وفي إطار الديمقراطية بعيدًا عن العنف والكفاح المسلح، ويؤمنون بالتعايش مع إخوانهم الأتراك على أساس مواطنة تساوي بين أفراد الوطن وتعطيهم جميع حقوقهم. ولا يؤيد الانفصاليين من الشعب الكردي إلا القليل. ولعل نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت في الثاني عشر من حزيران (يونيو) الماضي خير دليل على رغبة الأكراد في الحل السلمي، حيث حصل مرشحو حزب السلام والديمقراطية الذي يعد ذراعًا سياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور على صوت ناخب كردي فقط من كل 15 ناخبًا يعيش في اسطنبول. لم يختلف الوضع كثيرًا في جنوب شرقي البلاد، على الرغم من تهديد حزب العمال الكردستاني الناخبين بالقتل في بعض الأماكن إن لم يصوتوا لمرشحي حزب السلام والديمقراطية، ومع ذلك حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في بعض المحافظات ذات الأغلبية الكردية على أصوات الأكثرية الساحقة؛ ففي محافظة أديامان حصل حزب العدالة والتنمية على 67.3 في المائة من الأصوات، بينما حصل مرشحو حزب السلام والديمقراطية على 6.5 في المائة فقط، وكذلك في محافظة بنغول حصل حزب العدالة والتنمية على 67 في المائة، بينما حصل مرشحو حزب السلام والديمقراطية على 24 في المائة.
حزب العمال الكردستاني، الذي يقول بعض القادة الأكراد إنه صنيع الاستخبارات التركية لضرب الحركات والأحزاب الكردية الأخرى، لكنه خرج عن السيطرة، يسعى لفرض رؤيته على الأكراد ومصادرة إرادة الشعب الكردي بقوة السلاح. ولو توافرت بيئة سليمة يمارس فيها الأكراد الأنشطة السياسية بكل حرية دون أن يشعروا بضغوط السلطات التركية من جهة وتهديد حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، لتراجعت شعبية الانفصاليين وخفت ضجتهم الإعلامية إلى مستوى لا يذكر.
الثورة السورية كشفت للجميع أن حزب العمال الكردستاني الذي يرفع شعار الدفاع عن حقوق الشعب الكردي المظلوم ما هو إلا مجموعة من المرتزقة تستخدمها أجهزة الاستخبارات في الصراعات الإقليمية. ولما قررت تركيا الوقوف بجانب الشعب السوري في ثورته ضد الظلم والطغيان قام الانفصاليون الأكراد بتصعيد هجماتهم الإرهابية في الأراضي التركية.
التقارير الاستخباراتية تشير إلى تحالف حزب العمال الكردستاني مع طهران والنظام السوري ونقل عدد كبير من عناصره إلى سورية لدعم بشار الأسد وقمع المظاهرات في المناطق الكردية وسماح دمشق لحزب العمال الكردستاني بفتح معسكرات قريبة من الحدود التركية. كل المؤشرات تؤكد أن النظام السوري سيلعب بورقة حزب العمال الكردستاني للانتقام من تركيا ومن الشعب الكردي أيضًا إن دعم الثورة السورية، ولخلط الأوراق وإثارة فتنة قومية إلى جانب الفتنة الطائفية التي يسعى لإشعالها. والأنباء التي تصل من المناطق الكردية في شمال سورية تشير إلى استياء السكان الأكراد من ممارسات المنتمين والموالين لحزب العمال الكردستاني. على عقلاء الأكراد أن يدركوا خطورة هذه الخطة الخبيثة على الشعب الكردي، ويحذِّروا قومهم من أن يُضحُّوا بأبنائهم لحسابات الآخرين، وأن الرهان على بشار الأسد ونظامه الوحشي رهان خاسر يجر إليهم متاعب وويلات.
المشكلة الكردية في تركيا يمكن حلها في إطار مساعي الإصلاح وتعزيز الديمقراطية، كما وعد به نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش، وقال في كلمته أمام النواب في البرلمان التركي إن الحكومة ستعطي المواطنين الأكراد جميع حقوقهم من دون استثناء. ولا يستطيع أحد أن ينكر التقدم الذي حققته حكومة أردوغان في هذا الاتجاه، أو يتجاهل الجهود التي يبذلها المثقفون وقادة المجتمع المدني من الأتراك والأكراد لدفع عجلة الإصلاح وتسريع الخطوات حتى تصل تركيا إلى الحل المطلوب في هذه القضية الشائكة التي أرهقت البلد أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا. وأما مشكلة الأكراد في سورية فيمكن حلها أيضًا بعد سقوط النظام الذي أنكر وجودهم وحرمهم حتى من أبسط حقوقهم الإنسانية، في ظل نظام جديد يشارك الأكراد في بنائه مع إخوانهم السوريين الآخرين.
علاقات تركيا مع أكراد كردستان العراق تشهد في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا في أصعدة عدة، بعد أن تخلت تركيا عن سياسة عدم الاعتراف بإقليم كردستان وقادته وأدركت ضرورة التعاون والتفاهم مع حكومة الإقليم. ولا شك في أن هذا التقارب لمصلحة الطرفين. وعلى الأكراد أن يستغلوا هذه الأجواء المناسبة للمضي قدمًا في طريق الحصول على حقوقهم المشروعة بالنضال السلمي، وأن يرفضوا استغلال قضيتهم العادلة من قبل مرتزقة حزب العمال الكردستاني وتوظيفها لخدمة النظام السوري.