الربط بالدولار .. شكراً دول الخليج

في آذار (مارس) 2008 سجّل الدولار الأمريكي هبوطا قياسيا في قيمته، وبالتالي انخفضت عملات دول الخليج المرتبطة بالعملة الخضراء، وقدرت حينها خسارة العملات الخليجية بما لا يقل عن 20 في المائة من قيمتها. حينها كانت المطالب والضغوط على دول الخليج غير مسبوقة لفك ارتباطها بالدولار والتحوُّل لسلة عملات، بل إن البعض، في الداخل والخارج، وكعادتهم في قلب المفاهيم، اعتبروا عدم قيام دول الخليج بفك الارتباط هو من سبيل ''الخنوع'' للضغوط الأمريكية. والآن بعد عودة الدولار وتهاوي اليورو، أثبتت دول الخليج كم كانت مصيبة في مواجهة تلك الضغوط في سبيل حماية الاقتصاد الوطني.
منذ ذلك التاريخ، وأعني عندما سجل الدولار الهبوط القياسي في قيمته في 2008، استعادت العملة الأمريكية 13 في المائة من قيمتها. بالمقابل، هبط اليورو أمس الأول ليلامس أدنى مستوياته في 16 شهراً، فإذا أخذنا في الاعتبار التخفيض المتوقع الذي ستقوم به مؤسسة ستاندرد آند بورز لتصنيفاتها الائتمانية لبضع دول أوروبية، فهذا يعني أن اليورو سيزداد ترنحاً، على الأقل خلال العام الجاري 2012، فماذا لو فعلتها دول الخليح وربطت عملاتها بسلة عملات وكان اليورو مكوناً رئيساً، كيف سيتم التعامل مع خسارة انخفاض اليورو، ناهيك عن ارتفاع الدولار؟
بالتأكيد هذا لا يعني أن الارتباط بالدولار هو الحل المثالي في ظل هذه الأزمات المالية التي تكاد تعصف بالعالم، لكن يمكن اعتبار هذا الربط الأقل سوءا لدول الخليج، خاصة وهي تعتمد على النفط كمكون رئيس وهو مسعر بالدولار، لذا فإن خسائر الدول الخليجية ستكون مختلفة لو قررت التحوّل إلى عملة أخرى أو سلة عملات، حتى أولئك الذين يضربون المثل بالكويت لربطها عملتها بسلة عملات، يتغافلون أن لذلك أيضاً أضراراً تتحمّلها الدولة نظير تسعير النفط بالدولار، وهو ما لا تفعله الدول الخليجية الأخرى، بل إن سلة العملات لم تنفع الكويت من كبح جماح التضخم، وهو السبب الأساسي الذي دعا الكويت للعودة إلى سلة عملات.
هنا نذكّر أنه على الرغم من أن مؤسسة ستاندرد آند بورز جردت الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز في آب (أغسطس) الماضي، وما تبع ذلك مما يشبه الزلزال في الاقتصاد العالمي، فإن المستثمرين استمروا في النظر إلى أمريكا باعتبارها ملاذا من النمو الاقتصادي العالمي البطيء وأزمة الدّين السيادي التي تعصف بأوروبا، وهو ما يعني أن الدولار سيظل يمارس هيمنته على وظيفة الملاذ الآمن للمستثمرين والعملات المرتبطة به على حد سواء.
الموضوعية تقتضي أن نتعلم من هذا الدرس جيداً، فلو كان القرار الخليجي خاطئا في الإبقاء على ربط العملات بالدولار، لكُنا جميعاً قد سننا أقلامنا للهجوم على أولئك الذين كانوا وراء هذا القرار الذي سيُوصف بالكارثي، ناهيك عن الأضرار المهولة التي ستقع على اقتصادات الدول الخليجية. أما ونحن - نحمد الله - بأن دولنا لم تنح لاتخاذ تلك الخطوة، فلا أقل من أن نقول شكراً وعذراً، فأما الشكر فلأولئك الذين تحمّلوا كل تلك الضغوط التي بلغت التشكيك في إمكاناتهم وذممهم! ومضوا في القرار الصائب، وأما العذر فعلى تحمُّلهم مَن أراد أن يفرض رأياً وهو غير مدرك لأبجديات القرارات المصيرية، وظن أن اتخاذها يتم بحثاً عن الشعبوية فقط لا غير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي