أخيرا.. مواطنات في الخليج

كم كان لافتا ومؤثرا التغيير الذي طرأ على إعلان الرياض، الذي صدر في ختام قمة مجلس التعاون الخليجي، أمس، فللمرة الأولى في تاريخ إعلان وبيانات المجلس على مدار قممه الاثنتين والثلاثين، تحضر المرأة الخليجية كمواطنة بجانب الرجل، الذي كان مهيمنا على اللغة التي تستخدم في البيانات الصادرة، وكأنه وحده الحاضر في مجتمعاتنا الخليجية، بينما غابت، أو غُيِّبت، المواطنة الخليجية رسميا عن اللغة الرسمية لمجلس التعاون.

الرسالة كانت واضحة وقوية، بل حاسمة، فلم يعد تهميش المرأة مقبولا فيه تحت أي سبب كان. صحيح أن هذه الرسالة تأخرت كثيرا، لكنها على الأقل أتت بعد غياب، فقد انتهى وقت تنظير الجميع عن حقوق المرأة، فإذا جاء وقت الفعل لا القول، رميت آخر الصفوف، كما لم يعد مقبولا تحت أي ذريعة أن تفصّل القوانين والأنظمة للرجال فقط، فإذا جاءت المرأة لتقوم بدورها، كان النظام قاصرا ولا يستوعبها، وعن المبررات لا تسأل.

لعل ما يميز المرأة في الخليج، على الرغم من كل الصعوبات والعوائق التي واجهتها، أنها تسعى بقوة لدفع المجتمع لتبني أفكارها، وكذلك براعتها في مواجهة التشكيك المستمر في قدراتها، وهو ما أفرز نوعية من النساء اللاتي أثبتن قدرتهن على القيادة العليا في أي من المؤسسات الحكومية والخاصة، فقد تخطت المرأة مرحلة الوصاية من قبل الرجل في قرارها ومصيرها.

لاحظوا أن إعلان الرياض عندما استخدم لفظ المواطنات للمرة الأولى، استخدمه في موضعين مهمين في مسيرة المجلس المستقبلية، الأول عند التأكيد على مشاركة جميع ''المواطنين والمواطنات'' في تسريع مسيرة التطوير والإصلاح الشامل داخل دولهم بما يحقق المزيد من المشاركة، أما الاستخدام الثاني، وهو الأكثر أهمية، فكان في التأكيد على تحصين الجبهة الداخلية وترسيخ الوحدة الوطنية، استنادا إلى ''المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات أمام القانون في الحقوق والواجبات، والتصدي للمحاولات الخارجية من جهات مأزومة تحاول تصدير أزماتها الداخلية عبر إثارة الفتنة والانقسام والتحريض الطائفي والمذهبي''.

لا شك أن دعوة المرأة للمشاركة في تحصين الجبهة الداخلية لدول الخليج، هي رسالة تتعدى الواجبات المنوطة بأي مواطن خليجي، فهذه الدعوة لتوعية من لا يريدون الوعي، وتحذير لمن استمرأوا وضع العصي في دولاب مسيرة المرأة، فإذا كان قادة الخليج يدعون المرأة لأن تساهم في التصدي للمحاولات الخارجية لزعزعة أمن دولهم واستقرارها، فالأحرى أن تكون قادرة على القيام بأدوار أقل من ذلك بكثير، ومع هذا تجد من العوائق والعقبات ما يناقض هذا التوجه من قبل قادة الخليج.

لم تكن كلمةً أضيفت في ختام قمة مجلس التعاون فحسب، فالمواطنات الخليجيات لم يعدن ليقبلن أن يبقين على الهامش طويلا، فالدعم جاء من قبل حكام الخليج للمرأة، ولا يمكن قبول أن يأتي مَن يعارض هذه التوجهات بتعميم هنا، وتفسير هناك، أو فتوى ما أنزل الله بها من سلطان إذا غلبت الروم!

كلمة ''المواطنة الخليجية''، ظلت بعيدة عن متناول المرأة في الخليج عقودا ثلاثة، فلما صدرت من أعلى سلطة سياسية في مجلس التعاون، اختصرت على المرأة طريقا ربما كان سيكون أكثر وعورة وصعوبة. هذه الكلمة باختصار حق غاب طويلا عن نصف سكان الخليج، حتى بلغوه بعد أكثر من 30 عاما.. أخيرا أصبحت هناك مواطِنة خليجية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي