بين دائرتين

قال لي بحرقة: "يا أخي والله أستيقظ في الصباح بمزاج ممتاز، أعاهد نفسي أن يكون هذا اليوم جميلا وهادئا، أذكر نفسي بألا أسمح لأحد أو شيء أن يستفزني أو يعكر علي مزاجي، ولكن نكد الزحام اليومي وصعوبة المواقف وحرارة الجو والأخبار التي أسمعها في الطريق وعدم المبالاة عند بعض زملائي في العمل والكثير من القرارات التي يتخذها رئيسي وأشياء أخرى كثيرة تسمم يومي شيئا فشيئا ولا ينتهي اليوم إلا وأحلامي في يوم جميل وهادئ أصبحت مثل كابوس يطاردني وهكذا في كل يوم".
مشهد واقعي يتكرر مع الكثير منا فيسلب منا النشاط والحيوية ويمتص منا المتعة بالحياة ويدخلنا في دوامة من الشكوى والتذمر. ومع مرور الوقت يصيبنا بالإحباط والفتور ثم مع المزيد من الوقت يؤدي بنا إلى السلبية التي تقودنا إلى أن نكون نحن أنفسنا جزءا من المشكلة بعد أن كنا نأمل أن نكون أدوات في حلها.
فهل من حل لهذه المشكلة؟
طبعا لا يوجد حل سحري يمنع هذه المنغصات التي لا بد منها ولا توجد طريقة سهلة للتخلص منها تماما. ولكن يوجد بعض المبادئ العامة التي تخفف كثيرا من وطأة هذه العوامل علينا.
أهم هذه المبادئ في نظري هي ألا نسمح لهذه المنغصات أن تسحبنا في دوامة خارج دائرة تأثيرنا، أن نحاول التركيز على أهدافنا الكبرى ورسالتنا في الحياة ولا ندع هذه المنغصات تأخذنا معها إلى تيارات السلبية والتوتر المهلكة. نحتاج دائما إلى أن نبقى في دائرة تأثيرنا. و دائرة تأثيرنا هي الأشياء التي نتحكم فيها والتي يمكننا أن نؤثر فيها بشكل مباشر أو غير مباشر. لا بد أن يبقى جل انتباهنا وجهدنا وهمنا ووقتنا منصبا على تلك الدائرة المهمة. ومن أهم ما يدخل فيها بالضرورة حياتنا الشخصية وعبادتنا وأسرتنا وعملنا وتطويرنا لذواتنا وغير ذلك مما لنا تأثير فيه. فقد أثبتت الدراسات المستفيضة أن الفعالين والناجحين هم الذين يقضون معظم أوقاتهم في هذه الدائرة. أما الانفعاليون والسلبيون والفاشلون فإنهم يقضون معظم أوقاتهم ويصرفون جل اهتمامهم في دائرة أخرى هي دائرة الاهتمام، وهي الأشياء التي تستفزهم أو تستثيرهم إليها، بينما ليس لهم أي تأثير فيها مثل تقلبات الجو والأحداث العالمية وتصرفات الآخرين وقناعات الناس، وفي بعض الأحيان تكون أمور لم تعترض طريقهم أصلا بل هم تطفلوا عليها وحشروا أنوفهم فيها!
هي إذن دائرتان، دائرة التأثير ودائرة الاهتمام، وكلما قضيت وقتا أطول في دائرة التأثير زادت قدرتك وفاعليتك وإنجازاتك ومع الوقت تتسع هذه الدائرة فتصبح قادرا على أن تقوم بأشياء لم تكن تستطيع القيام بها من قبل. فمثلا لو ركزت على عملك فأخلصت له وطورته وأبدعت فيه فإنك ستكتسب مع الوقت فاعلية أكبر وستزيد قدرتك على التأثير في أمور جديدة لم تكن تستطيع التأثير فيها من قبل وبالتالي تتسع عندك هذه الدائرة، بينما إذا ركزت أكثر على دائرة الاهتمام فإنك مع الوقت ستهمل الأشياء الأساسية في حياتك وستجد أن مستوى السلبية يتضاعف عندك فضلا عن التوتر والقلق، وبالتالي تصبح من حزب (خربانة خربانة) فتهمل عملك بحجة أنه "لا فائدة" وتهمل صحتك بحجة "كلنا سنموت" وتهمل أسرتك بحجة "فسد الزمان"، وستجد عند ذاك أن دائرة التأثير عندك بدأت تضمر حتى تصبح كالريشة في مهب الريح لا تكاد تملك تأثيرا في شيء أبدا. وصدق من قال: "الناس ثلاثة: أناس يجعلون الأمور تحدث وهؤلاء في صميم دائرة تأثيرهم، وأناس يراقبون ما يحدث وهؤلاء تائهون في دائرة اهتمامهم، وأناس لا يعرفون ما يحدث أصلا".
أمامنا دائرتان فلنختر في أيهما سنقضي ما بقي لنا من أنفاس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي