الجسر البري.. استحقاقات قادمة

قبل نحو شهرين كتبت مقالا في ''الاقتصادية'' حول القرار الاستراتيجي للحكومة بربط غرب المملكة بشرقها عبر خط حديدي يمتد من ميناء جدة الإسلامي على ساحل البحر الأحمر إلى كل من ميناء الملك عبد العزيز في الدمام وميناء الجبيل على ساحل الخليج العربي، مرورا بالعاصمة الرياض، بمسافة تزيد على 1400 كيلومتر. وقد تضمن ذلك القرار أن يتولى صندوق الاستثمارات العامة تمويل البنية التحتية للمشروع، وأن يطرح تشغيله للمنافسة مع احتفاظ الدولة بملكية البنية التحتية لجميع المشروعات القائمة والمستقبلية للخطوط الحديدية.

تناولت في ذلك المقال بعض العوامل الإيجابية التي تصب في مصلحة المشروع، ومن بينها الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة ووقوع ميناء جدة الإسلامي على طرق الملاحة الدولية. كما أن معدلات النمو السنوية العالية لتجارة المملكة الخارجية بين صادرات وواردات، والتحول غير المسبوق نحو استخدام الحاويات (الكونتينرات) كوسيلة مفضلة لنقل البضائع، كلها عوامل تؤثر إيجابا في اقتصاديات الخط الحديدي القادم. إذ إن هناك أكثر من خمسة ملايين حاوية تستقبلها موانئ المملكة سنويا في الوقت الراهن، شريحة كبيرة منها تكون وجهتها المنطقة الوسطى على ظهر الآلاف من الشاحنات يوميا مرة في رحلة الذهاب وأخرى في رحلة الإياب. ذلك الحجم من الحركة، لو أضفنا إليه الشق الآخر وهو نقل المنتجات الصناعية والزراعية الوطنية من مراكز الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك المحلية لرأينا معدلات من الطلب على استخدام الخط الحديدي تدعم جدواه الاقتصادية.

كما أشرت في مقالي السابق حول ''الجسر البري'' وهو المسمى الذي يطلقه البعض على الخط الحديدي بين شرق المملكة وغربها، أن من بين مزاياه البارزة خفض تكلفة نقل البضائع، وذلك بدوره سينعكس على أسعار السلع في السوق المحلية. كما أن من مزاياه الأخرى تقليص عدد الشاحنات على الطرق السريعة ما يعني إعمارا أطول لتلك الطرق، حوادث أقل، الاستغناء عن أعداد كبيرة من السائقين الأجانب، تخفيف الضغط على خدمات النقل الجوي، وفر كبير في استخدام الوقود، وتخفيض معدلات التلوث بأنواعه، هذا علاوة على فرص العمل التي سيتيحها المشروع أمام المواطنين.

تلك المزايا للمشروع ستصاحبها بطبيعة الحال بعض الاستحقاقات التي يحسن التعامل معها من الآن مادامت هناك فسحة من الزمن قبل بدء مرحلة التشغيل. من بين تلك الاستحقاقات إعادة ترتيب نشاط النقل البري سواء كان داخليا أو عابرا للحدود لضمان التحول من النمط الحالي إلى النمط الجديد بسلاسة ويسر دون تعريض الاقتصاد الوطني أو مستثمري قطاع النقل لخسائر أو إرباك. وقد يكون أحد البدائل هو دمج أولئك المستثمرين ضمن الشركة التي ستتولى تشغيل خط البضائع الجديد.

أما الاستحقاق الآخر للجسر البري فهو مصاحب للدور الذي نتطلع أن يلعبه ذلك المشروع العملاق على المستوى الإقليمي. ذلك أن الله تعالى حبا المملكة بموقع متوسط بين دول آسيا من الشرق وبين قارتي إفريقيا وأوروبا من الغرب ما يؤهلها للاستحواذ على حصة كبيرة من التجارة العالمية العابرة بتكلفة منافسة. لكن ذلك الدور للمشروع لا بد لنجاحه أن تستوفى بعض الخطوات التي قد يكون من المصلحة التعامل معها من الآن. من بين تلك الخطوات التنسيق المستمر مع شركات النقل الملاحية كي لا نفاجأ بطلبات تعجيزية عند اكتمال المشروع.

لعل من أهم الملفات التي تستحق التعامل معها من الآن لدعم الدور الإقليمي، أو الدولي إن شئنا، للمشروع الإجراءات الجمركية التي ستطبق على البضائع العابرة لأراضي المملكة. إذ إن شركات الملاحة والتأمين تتحمل مسؤولية سلامة تلك البضاعة العابرة حتى بلوغها وجهتها النهائية، ومن ثم تتحاشى المسارات التي قد تخضع فيها الحاويات (الكونتينرات) للفتح لأغراض المعاينة و التفتيش. ذلك التحاشي، إن حصل، سيؤثر على إيرادات المشروع كما أنه سيقلص دوره المؤثر في تجارة المنطقة.
بالطبع هناك آليات ووسائل تقنية للتعامل بكفاية مع تلك الاستحقاقات دون التأثير على اقتصاديات المشروع ودوره المأمول، وأحسب أنها تحت نظر القائمين عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي