أعدتم البسمة
يوم الثلاثاء الماضي سافرت من جدة إلى الرياض على رحلة للخطوط السعودية، ومن محاسن الصدف أن كان على الرحلة نفسها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة. لم تكن هناك ''هيلمة'' أو ترتيبات غير عادية في الكابينة، حتى أننا لم نعرف بالأمر إلا بعد أن اجتاز بوابة الطائرة. نهضت من مقعدي للسلام عليه قائلا: ''شكرا لكم'' فرأيت في عينيه نظرة استغراب، فأكملت كلامي'' لقد أعدتم البسمة إلى جدة وأهلها''. حينئذ تبسم الأمير قائلا: ''هذا واجبنا، لكن انتظر ستكون هناك بسمات وبسمات - بإذن الله''.
الأسبوع الماضي حمل الكثير من الأخبار السارة لسكان جدة، من بينها البدء في التوصيلات المنزلية للصرف الصحي في بعض الأحياء السكنية، ثم اكتمال إنجاز المشروعات العاجلة لتصريف مياه السيول والأمطار. وليس من المبالغة القول إن تلك المشروعات كانت هاجس المدينة بأكملها وحديث المجتمع بكل شرائحه. تلك المشروعات انتهت في موعدها ولله الحمد، وكلنا ننتظر أن تجتاز اختبار موسم الأمطار المقبل بنجاح - بإذن المولى تعالى.
جدة لمن لم يزرها أخيرا أصبحت ورشة عمل لا تنام تذكرنا بما عاصرناه في سنوات الوفرة المالية الأولى وإنما على نطاق أوسع. لم يعد هناك شارع في جدة اليوم إلا وامتدت إليه أعمال الحفريات لتمديد شبكات الخدمات على مختلف أغراضها. تحويلات في مسارات الطرق هنا وهناك ما سبب إرباكا لحركة السير، زحمة في الشوارع، وقضاء أوقات طويلة قبل الوصول إلى وجهتك، وهو أمر لم نألفه. لكن اللافت للنظر أنني لم أسمع من كل من التقيت بهم خلال إجازة عيد الحج تذمراً أو شكوى، بل كانت الأحاديث مفعمة بالأمل والتفاؤل بالأيام القادمة لجدة.
إن إشاعة ونشر مشاعر الأمل وروح التفاؤل بين الناس قضية اقتصادية واجتماعية مهمة، إذ إن الإحباط يؤثر غالبا على صحة الإنسان ويجلب أنواعا شتى من الأمراض المزمنة التي تحد من قدرته على العمل والإنتاج، وذلك يؤثر بدوره على حياة المدينة، نبضها، وقدرتها على البقاء، ناهيك عن النمو. لقد لمست في زيارتي الأخيرة لمدينة جدة نبرة أمل جميلة، ولا سيما بين طبقة الشباب. سمعت أحدهم يقول ''إنني بدأت أشعر بالاطمئنان على مستقبل مدينتي ما يجعلني قادرا على أن أخطط لمستقبلي. قبل سنوات قليلة كان هناك حديث يدور في الهمس عن احتمال نقل توسعات المدينة المستقبلية ومشروعاتها الجديدة لموقع آخر. اليوم لم نعد نسمع ذلك الطرح، إذ سيكون لدينا مطار عالمي جديد، وخط حديدي سريع. كما ستكون هناك شبكة جديدة من الطرق السريعة والأنفاق، واستاد رياضي، وفي الوقت نفسه يجري العمل على قدم وساق لإنجاز شبكة الصرف الصحي التي طال انتظارها، وغيرها من الخدمات والمشروعات. أي أن جدة ستحظى - بإذن الله - بكل مقومات المدينة العصرية التي تنبض بالنشاط والحيوية''.
إن إعادة بناء جدة وفق أسس هندسية حديثة مهمة شاقة، غير أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اختار أن يتصدى لها بنفسه. إذ رصد لها الأموال، وأسند لولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز رئاسة اللجنة الوزارية التي أوكلت بها تلك المهمة. وقد جاء على لسان الأمير خالد الفيصل في حديثه لوسائل الإعلام يوم الأربعاء الماضي أن ''الأمير نايف كان ولا يزال يتابع ويراقب ويوجه في جميع الخطوات التي اتخذت لتنفيذ تلك المشاريع''.
إن مشاعر الأمل وروح التفاؤل التي يعيشها أهل جدة لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة جهود دؤوبة لرجال مخلصين عشقوا وطنهم فعشقهم.