أزمة اليورو.. فرصة للاستثمار
إن التصريحات التي أدلى بها وزير المالية في الآونة الأخيرة لوسائل الإعلام عن قدرة المملكة العربية السعودية على التعامل مع أية آثار سلبية قد تفرزها أزمة منطقة اليورو جاءت في توقيت مناسب لطمأنة المستثمرين والجمهور بشكل عام على صلابة اقتصاد المملكة وسلامة أوضاعها المالية. تلك المكانة المتميزة للمملكة لم تأت من فراغ، وإنما الفضل فيها لله تعالى ثم السياسة الرصينة التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في إدارة شؤون البلاد. ومن بين أهم أركان تلك السياسة ترشيد المصروفات غير الضرورية، وتوجيه النفقات الرأسمالية للاستثمار في مشروعات تستشرف مستقبل الوطن، مع الاستمرار في تمويل البرامج التي توفر للمواطن مستوى كريما من المعيشة. ذلك التصرف العقلاني في استخدام الموارد أكسب المملكة احتراما على المستوى الدولي ما أهلها بجدارة لعضوية مجموعة العشرين، إضافة إلى عضوية العديد من المؤسسات والمنظمات المرموقة على مستوى العالم.
إن المشروعات الاستراتيجية العملاقة التي أُنجزت في عهد خادم الحرمين الشريفين أو يجري العمل فيها يصعب حصرها. فهناك مشروعات توسعة الحرمين والمشاعر المقدسة التي لا تتوقف عجلتها. كما أن هناك مشروعات البنية التحتية التي من أبرزها إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية تربط بين شرق المملكة وغربها، وبين شمالها وجنوبها على نطاق غير مسبوق على مستوى الشرق الأوسط. وفي الأمس القريب تم إطلاق برنامج الملك عبد الله للابتعاث، وهو برنامج لا ند له في حجمه وتخصصاته في تاريخ المملكة وربما في تاريخ كثير من الدول الأخرى. وكنت قد كتبت في ''الاقتصادية'' منذ إطلاق ذلك البرنامج أكثر من مقال أشرت فيها إلى أن هناك قرارات في حياة الأمم تترك بصماتها على مسيرتها، من بين تلك القرارات سيسجل التاريخ قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بوضع برنامج طموح للابتعاث للدراسة في الخارج في مرحلة تسير فيها المملكة نحو المزيد من البناء ورسم مستقبل واعد لأبنائها.
إن ما يجري في العالم اليوم من أزمات اقتصادية وإفلاس لمؤسسات مالية وصناعية عريقة يعزز رؤية خادم الحرمين الشريفين في أهمية التركيز على التعليم، واغتنام الوفرة المالية التي حبا الله بها المملكة في بناء المرافق الأساسية والبنية التحتية ما يجعل أسواقنا جاذبة للمستثمرين وهو ما يعني فرص عمل جديدة للمواطنين.
في المقابل ينظر المراقبون بدهشة للارتباك الذي تعيشه منطقة دول اليورو على الرغم مما تتمتع به من تاريخ طويل في تصميم وإدارة السياسات المالية العامة، وكذلك على الرغم من شفافية تلك المجتمعات وتعدد آليات الرقابة، إذ أصبحنا نصحو كل يوم تقريبا على خبر جديد مزعج عن تلك الأسواق، وبتنا عاجزين عن ملاحقتها. أما التخفيضات المتتابعة للتصنيفات السيادية فحدث ولا حرج. وقد رسمت صحيفة الـ ''نيويورك تايمز'' في مقال نشرته في 13/11/2011 صورة قاتمة ومقلقة لما قد تحمله الأيام القادمة لتلك الدول، كما استبعدت الصحيفة جدوى الحركات السياسية البهلوانية التي أقدم عليها البعض بتغيير القيادات التنفيذية.
من جانب آخر قد ننظر إلى الأزمة المالية الطاحنة التي تعيشها منطقة دول اليورو كفرصة لانتقاء بعض المجالات للاستثمار فيها بشروط وأسعار قد لا تتكرر، وذلك في إطار استراتيجية المملكة لتنويع مصادر الدخل. من تلك المجالات التي تقع في دائرة اهتمامات المملكة الغذاء، الدواء، وتقنيات إنتاج الطاقة المتجددة. بالطبع قد يرى البعض أن الوقت لا يزال مبكراً للإقدام على مثل تلك الخطوة تحسبا للمزيد من التدهور الاقتصادي في تلك البلدان، وهو حذر في محله. لكن ما الذي يمنع في أن نعد العدة من الآن بتحديد أولوياتنا، ودراسة خياراتنا، وربما البحث عن أطراف دولية أخرى تملك الخبرة للمشاركة في تلك الاستثمارات ومن ثم توزيع المخاطر على أكبر عدد من الملاك.
ومن الحكم التي عادة ما يرددها رجال المال والأعمال أن الفرص تولد من رحم الأزمات.