بعد حريق جدة.. هل من مراجعة جادة للسلامة في المباني؟

إن ما حدث في مدارس جدة من حريق والذي تشير التحقيقات الأولية إلى أنه بدأ في الطابق السفلي للمجمع، ما أدى إلى تصاعد أعمدة كثيفة من الدخان، واحتجاز المعلمات والطالبات في الأدوار العلوية قد يحدث في أماكن عدة، ذلك أن المباني حال تشغيلها تغفل اشتراطات السلامة، وفي مطار الملك فهد في الظهران يوجد مخرج للطوارئ، ولكن تشاهد بأم عينك أن هناك قفلا قد أوصد به الباب حتى لا ينفتح أبدا وهي في حقيقة الدفاع المدني (جريمة). وليس هذا فقط في المطار بل تجد ذلك في المستشفيات وغيرها.
حينما يقوم المهندسون بإنشاء المباني فإن من أولويات الأمور أن يطبق كود البناء بحذافيره وتوضع مناطق للحريق وهي معروفة وتفصل بينها وبين المناطق الأخرى أبواب الحريق كما في المستشفيات وغيرها من مبان عامة، ومن ثم توضع الحساسات على الأبواب المفتوحة في الممرات، وما إن يحدث أي حريق في أي منطقة تقوم الحساسات بالعمل على غلق الأبواب الفاصلة بين منطقة وأخرى حتى لا ينتقل الدخان بينهما. إذ إن الذي يقتل الناس للوهلة الأولى ويسبب الهلع هو الدخان وليس اللهب.
أما بين الأدوار فإن السلالم والمصاعد لا بد أن تعزل حال الحريق حتى لا ينتقل الدخان إلى الأدوار العلوية كما هو معلوم.
لكن الذي يحدث أنه في حال التشغيل للمبنى ومع عدم الاعتناء بهذه الاشتراطات يتم إهمالها بل يتم تعمد إغلاق أبواب مخارج الطوارئ ذلك أنها تصبح مصدر قلق من أن يتم اقتحام المبنى أو التفريط بالممتلكات، حيث يتم تهريب بعض الأشياء من هذه الأبواب، وفي جامعة الملك سعود وحينما كنا طلابا فيها كانت أبواب مخارج الطوارئ توصد بالأقفال حفاظا على الممتلكات من أن تهرب وهل هناك أغلى من حياة الناس!
إن أكثر ما يحدث في كوارث الحريق هو انتقال الدخان من الأدوار السفلية إلى الأدوار العلوية، وأذكر في هذا الصدد أنه في أحد المستشفيات قبل أكثر من عشر سنوات حدث الحريق في طابق القبو والوفيات حدثت في الدور الرابع وذلك بسبب الدخان المتصاعد إلى أعلى.
إن السلامة والأمن والأمان والخصوصية وغيرها لا تتقاطع هندسيا أبدا بل لكل منها حلول إما يدوية أو تقنية والتقنية اليوم استطاعت أن تحل كل الإشكالات التي قد ترد في ذهن المشغل للمبنى، ولكن المطلوب هو صيانة تلك الحلول وإدامة متابعة الاشتراطات والسلامة ولا بد من أن نتنبه لما يلي:
ــــ السلامة أولا فلا بد من أن تراعي المباني العامة كلها تطبيق شروط السلامة وأن تطبيق الكود السعودي للبناء، وما تضمنه من اشتراطات للسلامة هو الضامن بعد الله بأن تكون المباني محافظة على أرواح المستخدمين له، كما أن اشتراطات الدفاع المدني لا بد أن تراعى بشكل لا يمكن لأحد أن يتجاوزها.
ــــ إن إقفال مخارج الطوارئ في المباني العامة هو في الحقيقة جريمة، وهناك أكثر من حل تقني لها فيمكن وضع حساس في حال فتح الباب يتم إشعار المستخدم بذلك، كما يمكن وضع كاميرات لمراقبة المخارج أو غير ذلك من حلول تضمن التقنية إبعاد أي تخوف من عوامل أخرى.
ــــ لا بد للجهة المستخدمة والتي لديها عدد كبير من المباني أن تكون لتلك المباني إدارة في كل منطقة لمتابعة اشتراطات السلامة وتعاهد إصلاحها، إذ المستشفيات والمدارس والمطارات والفنادق والشقق المفروشة وحتى الجوامع الكبيرة لا بد من متابعة دقيقة لاشتراطات السلامة فيها وأن تكون مخارج الطوارئ متهيئة لأي حدث ـــ لا سمح الله.
ــــ إن نظم الإطفاء في المباني الكبيرة ليس أن نستدعي الدفاع المدني للحريق بل أن نطلب من الدفاع المدني يأتي بشكل دوري ليتدرب العاملون على إطفاء الحريق من خلال الاستعدادات الموجودة في المبنى من مطفئات للحريق وغير ذلك.
ــــ إن شركات الأمن والسلامة هي من يهتم بالأمن ويغلق باب السلامة، وكما يقال (باب يجي منه الريح سده واستريح)، لكن المشكلة هي أن كوارث الحريق هي بسبب سد هذا الباب من قبل شركات الأمن والتي تهتم بالأمن فقط وتغفل أو تتغافل عن سلامة البشر بشكل مستمر.
إن معادلة السلامة والأمن لها حلول هندسية كثيرة لكن عدم تطبيق تلك الحلول وتعاهد صيانتها بشكل دائم هو ما يولد تلك الكوارث والفجائع وتبدأ كل جهة بلوم الأخرى في جدل دائم بعد كل حدث من هو المسؤول عن هذا الحدث؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي