سقوط هبل
هل سقط هبل؟ إذا كان المقصود بهبل الذي كانت العرب تعبده قبل الإسلام فالجواب نعم سقط هبل، لكن إن كان المقصود هبل الوقت الراهن، فالجواب لا إذ لا يزال حيا يرزق ويمارس أدوار حياته اليومية بكل ما أوتي من قوة، ومن إمكانات مادية وبشرية، إضافة إلى تسخير التقنية الحديثة والمعرفة لتحقيق أهدافه.
هبل المعاصر يهيمن على كثير من المجتمعات، ويمتد نفوذه من شرق العالم في اليابان إلى غربه كما في الولايات المتحدة. إذا ما أردنا أن نؤكد أن هبل لا يزال موجودا لا بد من عرض مواصفات هبل والتي تتكرر وتوحد عنه أكثر من فرد بغض النظر عن الثقافة التي ينتمي إليها الفرد، وإن كان دور الثقافة معلوما ولا يمكن إنكاره، لكن ظروفا أخرى لها دور في إيجاد هبل وظهوره في مجتمع من المجتمعات وفي فترة زمنية.
هبل ذو شخصية مستبدة يمارس أقصى ممارسات الاستبداد في حق من يتعامل معه خاصة إذا اختلف معه في أي أمر من الأمور، كما أن هبل ذو شخصية مركزية أقرب ما تكون إلى الشخصية المريضة التي تشك في كل تصرف أو فعل أو فكرة من الأفكار، هبل يحارب الرأي الآخر، ويرى أن رأيه هو الرأي السديد وما عداه هراء لا يقبل حتى التفكير فيه، حتى أنه يصل به الأمر إلى تسفيه الآخرين ( مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
هبل يستحوذ على كل مفاصل القرار في مجتمعه ولا يسمح للآخرين بالمشاركة في صناعة القرار؛ لأن مشاركتهم تشعره بقلة قدرته أو عدم كفاءته، كما يعتقد خاطئا في قرارة نفسه، بل ويصرح في ذلك دونما تردد على الإطلاق. هبل يمسك بمفاصل القوة السياسية، والاقتصادية، والأمنية والعسكرية؛ لاعتقاده أن هذه ستبقيه إلى الأبد، ولذا تجده يهدد باستخدام القوة ضد كل من يختلف معه، حتى وإن لم يكن يهدد مكانته، ولقد رأينا وما نزال نرى كل يوم في سورية، وليبيا، واليمن استخدام القوة بكل أشكالها مع المتظاهرين السلميين، وكأن القوة هي من يضمن له البقاء والاستمرار في السلطة، ويغيب عن باله قول الله (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).. مارس القذافي القوة في وجه شعبه وسبقه إلى ذلك زين العابدين، وحسني مبارك، وانتهى الأمر بالثلاثة إلى فقدان ممالكهم، وفقدان الحياة بالنسبة للقذافي مع ما حدث لأبنائه وأسرته، وأنصاره من تشتت، وقتل مع ما ينتظر الآخرين من محاكمات. ومن رأى منظر القذافي حين سقط في أيدي الثوار يتساءل: كيف يصل الأمر بالإنسان إلى حد القبول بهذا الوضع المزري، والمهانة؟.. كل هذا بهدف الإمساك بتلابيب الحكم رغم أن الفرص قد أعطيت له للخروج وبما يحفظ له ماء الوجه باقي حياته، لكنه أصر على أن يحفر قبره بيده كما يقول المثل.
هبل لا يهمه كيف يعيش شعبه، ولا مستوى الخدمات المقدمة له حتى وإن كان البلد غنيا، ولعل ما تذكره وسائل الإعلام بشأن ثروة القذافي والتي تبلغ 85 مليار يورو، إضافة إلى ما يملكه أفراد عائلته من أموال، ومجوهرات، وشركات، وعقارات، هبل يبيت شعبه جائعا، ولا يكترث في ذلك طالما هو، وحاشيته متخمون، كما أن تكدس الأموال في البنوك، وبالذات البنوك الأجنبية هو السمة الغالبة على هبل في جميع صوره وباختلاف المجتمعات التي يوجد بها.
الغريب أن هبل لا يتعظ بغيره، ولا يأخذ العبرة ممن سبقه ليس في الأزمنة الغابرة، بل وحتى الأمثلة المعاصرة له، ولعل ما نراه في سورية يؤكد لنا عدم قدرة هبل على التكيف مع المستجدات والظروف، هبل متغطرس، لا يعرف النظام، ظالم، مستبد، جائر في تصرفاته، ويتعامل بشراسة تفوق شراسة الحيوانات المفترسة في الغابة. إن هبل ليس شخصا بعينه، وبوفاته أو خروجه وتواريه عن المسرح السياسي يتخلص الناس من الظلم والاستعباد، بل هو نظام له مناصروه، وله عصبته التي تحميه وتدافع عنه باللسان، والقلم، والمال، والسلاح.